الأصول، واستنبط الأحكام الشرعية منه أهل الاعتبار، ومن ذوي الألباب والاستبصار، واستخرج منه وجوه الحكم والمواعظ الحكماء من الخطباء الأفاضل، واستفاد منه أهل الإشارة الأحوال السنية من الأبرار الأماثل، حتى اجتمع منه أسفار تنوء بها عصبة أولو قوة، قد سمحت بها أذهان فضلاء ذوي فتوة؛ لكنه خزائن لطائف لا نفاد لها، وكنوز رموز ليس لها انتها، فما ستر أكثر مما سطر، وما أفيد كقطرة مما غبر، فالمتصدي له بغير شروح متوصل إلى القشور، متعطش إلى لجج بحار فوائده ولا يقدر على العبور، وقد عن لخاطري الفاتر أن همم أهل البلاد إليه فاترة، والأعمار قاصرة، والعدة معهم يسير، والأمر خطير، فمقتضى أحوالهم أن يكون الكلام مقتصرا على حل الغرائب للقرآن والأخبار، ومتضمنا لما فيها من الرموز والأسرار، مشتملا على وجوه العبر ونظم الفرائد، محذوفا عنه ما لا يحظى إلا من تبحر في هذا الفن وتأهل لتلك الزوائد، مرتبا على ترتيب حروف التهجي ليسهل الوصول إلى المعاني، ويسقط التكرار ويبين المواضع والمباني، فحركني ذلك أن أصرف زبدة أوقاتي بعد مباحثة أصحابي إلى ذلك الجناب، ليكون ذلك من قنية عمري ذخيرة للمآب، فأسوّد على ذلك المنهج شرحا للصحيحين وجامع الأصول، وآخر للمشكاة ليسهل الوصول، ثم استطلت أن أحمل الأخلة رفعها، وأكلفهم جمعها، كراهة ما فيها من الأشياء المعادة، وإن كانت لا تخلو عن الإفادة، فأردت أن أستصفي منها المختصر، وأنفي عن كل ما تكرر، فجعلت كتاب النهاية لابن الأثير أصلا له، فلا أذكر منها إلا ما ليس له تعرض دونه، ولم أغادر منه إلا ما ندر، أو شاع بينهم وانتشر، وأضم إلى ذلك ما في ناظر عين الغريبين من الفوائد، وما عثرت عليها من غير تلك الكتب من الزوائد، ليكون للطالب في أكثر الأحاديث ومعظمها كافيا، بل لحل العوائد في فنون العلم وغرائب القرآن وافيا، وإذا ما يسر الله تعالى إتمامه على هذا المنهج أتوسل به إلى خدمة ذلك الجناب العالي، شيخي الشفيق المشفق ذي المفاخر والمعالي، قطب الأوان وغوث الزمان، وصفوة الرحمن، نزيل الحرمين مجاور بيت الله مربي الأنام،
1 / 2