La Mesa de Platón: Conversaciones sobre el Amor
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Géneros
الذي هو غايته الأخيرة، وكماله الأقصى، وهذه الحالة عسرة التصور جدا، بعيدة فيما نشاهده ونعتاده، ولا يمكن النطق بها، ولا يسعها إلا بالطريق الذي يصل إليه من سلكه على الجادة التي بيناها، وإذا مثلت بالأمثال المحكية لها مما اعتدناه وألفناه عرضت في الأمثلة مناقضات ومحالات؛ لأجل أن المثال ليس من الممثل في شيء؛ فلذلك عدل عن ذكره، وقد عملت فيه على كل حال كل ما اجتهدت فيه أن يلوح منه أجلى ما يمكن.» انتهى كلام ابن مسكويه في كتاب السعادة. •••
توفي أرسط أو أرسطو في 322ق.م.، وبوفاته انقطع حبل الفلسفة، وارتج باب الحكمة، ولدى موته كان زينون مؤسس الفلسفة الرواقية في الرابعة عشرة من عمره؛ لأنه ولد كما أسلفنا في 336.
وقد تلقى العلم على أتباع الكلابيين، واختار من مذهبهم حب الطبيعة، والدعوة إلى العودة إلى رحابها، والاقتداء بها، والاستسلام إلى أنظمتها، وكان زينون مفكرا عميقا، ولو أنه وجد قبل أرسطو وأفلاطون لكان له شأن يذكر، لكن ظهوره بعد هذين الحكيمين يقلل كثيرا من قدره.
ومن دلائل فطنته وعلو كعبه معارضته لآراء الحكيمين في الروحانيات، ودحضه ذلك، وقوله إن سائر الأشياء مكونة من عنصر واحد وهو الجسم أو الكيان المادي الظاهر، وهذا رجوع إلى المادية الأولى، وإحياء لطبيعيات هيراقليط. وقال إن العالم والسماء من حين إلى حين يهلكان، ثم يتجددان، واستعار من أتباع فيثاغورس القول بأن التاريخ يعيد نفسه، وهذه نظرية استعارها فردريك نيتشه، وسبكها في قالب جديد، ولم ينسبها إلى صاحبها، وينشأ عن القول بأن التاريخ يعيد نفسه التسليم بالقضاء والقدر بأكمل معنى؛ لأنه ما دام تكرير الحوادث على نسق واحد معين أمرا محتما، فكل حوادث الحياة إذا لا بد واقعة كما سبق تنظيمها بإرادة الأقدار، وفي هذا المبدأ ما انتحلته بعض الأديان، وسارت عليه مستسلمة «مسلمة أمرها لمن بيده الأمر»، وسنرى بعد برهة تأثير فلسفة الرواقيين في الأديان، فإن مذهبا أساسه الاعتراف بكون الإنسان مسيرا لا مخيرا لا بد أن يجد قبولا لدى أرباب الأديان وأنصارها والمتكلين عليها، أما رأي زينون في الإلهيات فظاهر أنه مادي ؛ لأنه يقول بأن الله «جسم» يملأ الكون كله، ويبعث فيه القوة والحياة، ومثل انتشار الدسم في وعاء اللبن الذي يضربه المتصوفون لتقريب معنى وجود الله في الكون أمر معلوم، ولم يكن ليخفف وقع هذا الاستسلام الفلسفي إلا القول بأن العالم مخلوق بمنتهى الكمال والخير، وأن غايته سعادة المخلوقات وخيرها، وقد انتحل هذا الرأي ليبنتز بعد الرواقيين بعشرين قرنا، وروى عنه الشهرستاني (ص292) أن العوالم تتجدد في كل حين ودهر، وما كان منها مشاكلا لنا أدركنا حدود وجوده ودثوره بالحواس والعقل، وما كان غير مشاكل لنا لم ندركه. وقال: إن الموجودات باقية دائرة، فأما بقاؤها فبتجدد صورها، وأما دثورها فبدثور الصورة الأولى عند تجدد الأخرى. ا.ه. كلام الشهرستاني.
أما نسبتهم إلى الرواق؛ فلأن زينون اتخذ مدرسته في رواق مدهون بالألوان اسمه باليونانية
Stoa Poikile
كما تسمى تلاميذ أفلاطون بالمشائين نسبة إلى مكان مدرستهم، وصار اسم الرواقيين علما على الاستخفاف بالآلام، وعدم الاكتراث للذة والأذى، وقد سارت هذه الكلمة وصفا في كل اللغات الإفرنجية على تحمل الألم، فيقال: «تحمل الشدائد بشجاعة رواقية.» ولا أعرف لهذا الوصف استعمالا في اللغة العربية. وقد رويت عن زينون أقوال تدل على تلك الحال النفسية التي مصدرها الاستسلام للقضاء والقدر؛ قيل له: إذا مت من يدفنك؟ قال: من يؤذيه نتن جيفتي، ونعي إليه ابنه فقال: ما ذهب ذلك علي إنما ولدت ولدا يموت، وما ولدت ولدا لا يموت، وقال: محبة المال وتد الشر (ويكاد هذا يكون رأيا مسيحيا).
وكانت مبادئ الرواقيين تعارض مذهب أبيقور عابد اللذائذ، قلت: إن فلسفة الرواقيين نالت حظوة الأديان، وضربنا مثلا بالتوكل والاستسلام، ولكن ذلك لم يكن الوجه الوحيد الذي جمع بين الرواقية والأديان، إنما هناك رابطة أخرى وهي أن زينو استعار من هيراقليط الاسم الذي وضعه علما على الله، وهي
Logos
أو لوغوس، ومعناها الكلمة، وكان زينو يقول إن المبدع الأول كان في علمه صورة إبداع كل جوهر وصورة دثور كل جوهر؛ فإن علمه غير متناه، والصور التي فيه من حد الإبداع غير متناهية، وكذلك صور الدثور غير متناهية، فكأن زينون يقول بازدواج المبدع الأول، وظهور ذلك في العقل الخالق أو الفعال، وفي المادة القابلة للتشكيل، أما كلمة
Página desconocida