La Mesa de Platón: Conversaciones sobre el Amor
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Géneros
وأما الذي كذبه مساو لصدقه فهو الذي يلتمس به إقناع ما في أي رأي كان، وأن يسكن السامع إلى ما يقال له ويصدق به تصديقا ما، وهو دون الظن القوي، فصنف فيه كتابا دل فيه على وجوه هذه الإقناعات، ومن أين، وكيف تقع، وسماه كتاب الخطابة، وهذه هي الكتب الخمسة المنطقية. لكن أرسطو لما نظر في القياس وجد منه ما هو مشترك بهذه الفنون، ومنه ما هو خاص بكل واحد منها، فعمل للقياس الأول العام المشترك لجميع الصناعات الخمس كتابا سماه كتاب القياس، وهذا الكتاب يوجد في النقل القديم أحدهما كتاب القياس، والآخر كتاب البرهان، وهو باليونانية أنولوطيقا الأولى، وأنولوطيقا الثانية، ثم نظر في القياس فإذا هو مركب من ألفاظ ومعان، وأقل الأقاويل القياسية ما كان مركبا من لفظتين لفظتين، وأقل المعاني القياسية ما كان من معقولين معقولين، وأكثرها غير محدود، وهذه الأقاويل المركبة من لفظتين أجزاؤها ألفاظ مفردة لا محالة؛ فبالضرورة انقسمت له الصناعة إلى ثمانية أقسام، ذلك على طريق التحليل، فلما سلكه على طريق التركيب بدأ بالألفاظ المفردة الدالة على أجناس المعاني المفردة، فعمل فيها كتابا، وحصر هذه الألفاظ في عشرة أجناس من المعاني، ثم قسم كل واحد فيها إلى أنواعها، وسماه كتاب المقولات، وهو المعروف بكتاب قاطيغورياس، ثم ثنى بكتاب ذكر فيه الأقاويل المركبة، وسماه كتاب بارمينياس؛ أي العبارة، وثلث بكتاب القياس الذي ذكرناه. فعلم فيه قوانين الأقاويل التي يبين بها القياسات المشتركة للصنائع الخمس، وسماه أنولوطيقا الثانية فعلم فيه قوانين القياسات التي لا تغلط، ولا يمكن فيها ذلك وهي اليقينية.
وخمس بكتاب ذكر فيه قوانين القياسات المأخوذة من الأمور المشهورة، وكيف يكون السؤال أو الجواب على هذه الطريقة، وعلم فيه القوانين التي تتم هذه الصناعة على أفضل وأكمل ما يمكن، وسماه طوبقا، وهو كتاب الجدل. وسدس بالكتاب الذي ذكر فيه قوانين هذه الأشياء التي يغلط عن الحق وغيره، وأحضر الأمور التي يقصدها المموه، وبين الأشياء التي تظهر فسادها، وكيف يتحرز منها، وسماه سوفسطيقا؛ أي الحكمة المموهة. وسبع بكتاب ذكر فيه قوانين الأشياء المقنعة بالخطاب، وأحصى جميع ما يتم به هذه الصناعة ليكون الإنسان فيها أكمل وأنفذ، وسماه ريطوريقا. وثمن بكتاب ذكر فيه قوانين الألفاظ المخيلة، وأحصى جميع ما يتم به هذه الصناعة، وقسمها إلى أنواعها وأصنافها، وسماه بويطيقا؛ أي الشعر لتتم هذه الصناعة على هذه الأقسام. وكان غرضه الأول فيها القياس البرهاني، ولكن أوجبت القسمة والترتيب ما ذكرناه، وأيضا فإن الأشياء التي تعرف بطريق البرهان يسيرة بالإضافة إلى ما يعرف بالقياسات الآخر، فواجب أن يرتبها، ويعلم طرقها، وأيضا فإن بعضها طرق البرهان، وبعضها تحميه وتذب عنه. أما الثلاثة التي في أوائل الصناعة فهي التي تؤدي إليه الأربعة الأخيرة هي التي يحامي عليه لئلا يشتبه به ما ليس منه، وأشرف هذه الكتب كتاب البرهان؛ لأنه المقصود الأول، فوقع في القسم الرابع بالضرورة كما ذكرنا فيما سلف، وباقي الكتب إنما عملت إما مداخل إليه وتوطئات له، وإما حامية عنه. أما الثلاثة التي تقدمه فهي المداخل، وأما الأربعة التي بعده فهي التي تحرزه وتميزه وتحميه من الطرق التي يوهم أنها تؤدي إلى ما يؤدي إليه هو، ومع ذلك إذا قصد الإنسان أن يكون مجادلا قويا، أو خطيبا مصقعا، أو شاعرا مفلقا نحا نحو ما يلتمسه، واقتنى من الكتب الذي صنف فيه قوانين الصناعة ليصير بها في أعلى درجة منه، وأرفع رتبة فيه، وإن اقتصر إنسان على الكتب الأربعة كفاه ذلك في تعلم الحكمة وقراءة الكتب بعدها، وهي الكتب التي عددناها، وشرحنا قسمة الحكيم لها، فبدأ منها بالكتب التي من ذوات المواد، وهي من الأمور الطبيعية. وآخر الكتب التي في الأمور المجردة في المواد؛ إذ الطبيعيات محسوسة لنا وهي إلينا أقرب، ونحن لها آلف، وبها أعرف، ومنها يمكننا الترقي إلى ما بعدها، فصنف فيه كتابا ذكر فيه الأمور المشتركة لجميع الأشياء الطبيعية ما كان منها تحت الكون، وما ليس تحت الكون، وسماه السماع الطبيعي، وصنف كتابا فيما يخص الأشياء التي ليست تحت الكون، وسماه كتاب السماء؛ ثم قسم الأشياء التي تحت الكون، فعمل كتابا فيما هو مشترك للأشياء ذوات الكون كلها، وسماه كتاب الكون والفساد، وعمل كتابا فيما يختص في الأرض مما له نفس، ولا حواس له، وسماه كتاب النبات، وكتابا فيما يختص بذوات النفوس، وله حواس، وسماه كتاب الحيوان، ولما أراد أن يرتقي في الطبيعيات، وهي الأمور ذوات المواد إلى الأمور التي لا مواد لها، وجد بين هاتين المنزلتين أمورا لها شركة في الطبيعية، وشركة فيما بعد الطبيعية، فعمل فيها كتابه في النفس، وكتابه في الحس والمحسوس، ثم عمل فيها بعد الطبيعة كتبه التي رسم عليها الحروف، وهي المعروفة بالألف ياء، وما بعدها؛ فمنها ما نقل إلى العربية، ومنها ما لم ينقل، إلا أن فيما نقل غنى كثيرا، وكفاية تامة.
ولما عمل في الجزء النظري هذه الأعمال العظام، ونظمها هذا النظام كمل أيضا في الجزء العملي هذا العمل بعينه، وذاك أنه قسم إلى ما هو خاص بالإنسان في نفسه، وإلى ما هو خاص بما كان خارجا عنه، وهذا الثاني ينقسم إلى قسمين: أحدهما تدبير المنزل، والآخر تدبير المدن، فعمل في كل واحد كتابا.
أما في ما يخص الإنسان بذاته فكتابه في الأخلاق، وهو كتاب عظيم جدا، كثير المنافع، يعلم كيف يكتسب الإنسان هبة فاضلة، وسجية محمودة يصدر عنها الأفعال الجميلة، والأعمال المرضية، وأما كتبه في تدبير المهن والمدن فلم ينقل إلى العربية إلا ما وجد من كتابه في تدبير المدن، وهو مقالنا، وقد ذكرت في فهرست كتبه، وله بعد هذه الكتب رسائل وكتب سماها التذاكير، وهي كثيرة على ما يذكر، ويحكى في فهرست مصنفاته، وله كتب في التعاليم، ولم ينقل منها شيء إلا أن في النظام الذي خرج إلى العربية والترتيب الذي رتبه غنى عظيما، وراحة تامة لمن أحب أن يكمل ذاته، ويتوجه إلى مقصده ليصل إليه بسرعة. فأما مقدار الزمان الذي يفرض لمن أراد تعلم الحكمة على ما رتبه هذا الحكيم المحسن إلينا، المنعم علينا، فعلى مقدار عنايته واهتمامه ومعونات الاتفاق إياه؛ أعني بها أن يكون ذكيا حفوظا واجدا للكتب، والأستاذ الفاتح ، والكفاية في المعيشة لئلا يشتغل بها عما يقصد؛ فزوال العائقات التي لا يحتسبها الإنسان في عوارض الدنيا وهمومها، وأمراض النفس والبدن واجتماعهما، وحذر العوام مرة، والسلطان أخرى، ومراقبة أهل البلد؛ فإن الناس كما يقول القائل أعداء ما جهلوا، ومن شأنهم الوقيعة في أهل الفضل، ومعاداة كل من خالفهم في مذاهبهم وأغراضهم، وقصد بكل مكروه وأذى،
4
فإذا سلم من هذه العوارض، وكانت القريحة والأسباب التي ذكرناها مجتمعة له، فما أقرب وصوله إلى بغيته، وراحته من تعب أبناء جنسه، وظفره بالكنوز التي زخرت، ومدة ذلك على التقريب ما بين عشر سنين إلى عشرين سنة.
وهذا إذا شغلته الدنيا بعض الشغل، فإنه لا يجوز أن يظن بإنسان أنه ينفرد وينكمش على العلم، ولا يجعل لبدنه راحة، ولنفسه حظا من اللذات فيما يحسن ويجمل، ولو تعاطى ذلك لخسره أو انقطع دون غايته، وقد رأى بعض أصحاب أرسطو ومدرسي كتبه أن يبتدئ المعلم لها بكتب الأخلاق
5
لتتهذب نفسه، وتصفو من كدر الشهوات، ويخف عنها انفعال عوارضها، فتتمكن من قبول الحكمة، ويعترف بعض الاعتراف بترك الانهماك في الشهوات، وهجران الملاذ الجسمية، ويعلم أن أكثرها خساسات ورذائل فيتنزه عنها، ثم ينظر في شيء من التعاليم ليعرف طريق البرهان، ويتدرب بها، ويأنس بطرقها، ويترك الإيغال فيها إلى وقت آخر؛ فإن بين يديه غرضا بعيدا، وشوطا بطيئا. ثم ينظر في المنطق الذي هو آلة في جميع ما يقصد، ثم ينظر في الطبيعيات وما بعدها على الترتيب الذي تقدم، فإذا وصل الإنسان إلى المرتبة الأخيرة اطلع على حقائق الموجودات، ونزلها منازلها، وتصورت نفسه بها، فإذا تصورت النفس بحقائق الأمور عقلها عقلا تاما، فإذا عقلها تصور بالصور العقلية، وزالت عنه رسوم الأعراض التي في الأمور الطبيعية؛ أعني الأشياء الدائرة، وحصلت صور الأشياء العقلية السرمدية، واتحد بها العقل، فصارت هي وهو شيئا واحدا، ومن شأن العقل أن يصير جزؤه كلا كما يتبين ذلك له إذا وصل إليه، فإذا فارقت نفسه بدنه انتقل إلى الوجود الثاني
6
Página desconocida