على أن هذا لا ينافي إمكان فصل السلطات وجعل حق إصدار الأنظمة الزمنية في يد سلطة خاصة انتخابية كالبرلمانات اليوم إذا رأت الأم مصلحتها في ذلك، إذ الأصل في النظام القانوني من الشريعة هو رعاية المصلحة العامة، والتحول معها وقد أوجبت الشريعة على كل من يتولى الحكم أن يكون تصرفه على الرعية قائما على رعاية الأصلح لها بنتيجة مبدأ الشورى الواجبة. وقرر الرسول في أحاديثه الثابتة (1) أن الإمام (الحاكم -) كالراعي، وهو مسؤول أمام الله والأمة عن التدابير الأصلح للرعية، وأن الرعية (المحكوم - مسؤول كذلك عن الطاعة . وهذا هو الأساس في جميع شؤون االادارة والحكم: في فرض الضرائب وجبايتها، وتأسيس الخدمات العامة بمختلف أنواعها، والاستملاك الجبري للمنفعة العامة وغير ذلك.
وكما أوجبت الشريعة على الرعية الطاعة أيقظت فيهم إلى جانبها الشعور بالمسؤولية عن انحراف الحكام ولزوم مراقبتهم، فقرر الرسول انه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله"(2) . واستنادا إلى هذا المبدا والنصوص الشرعية فيه قال الخليفة الأول أبو بكر في أول خطبة له: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني".
- في الناحية المالية العامة: /9- جاءت الشريعة - على خلاف ما كان سائدا حين ظهورها -
(1) روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته..4.
وروي ابن حبان في صحيحه (1562) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه" .
(2) حديث ولا طاعة لمخلوق في معصية الله" بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد 131/1 من ديه، علي، 409/1 من حديث ابن مسعود، 66/5 من حديه عمران بن حصن والحكم بن عمرو الغفاري
Página 61