La Ciudad Ideal en los Filósofos del Siglo XVIII
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Géneros
7
ولا حاجة بنا طبعا إلى أن نستعد منذ الآن لهذا الحادث البعيد الموعود، فالكون لا يزال بخير، ومهما يكن فلن تكون نهايته في زمننا، على أن اطمئناننا هذا لا يمنع من أن نتطلع إلى معرفة أثر ذلك التلاشي الكوني المحتوم في الإنسان، فنتساءل: كيف تأتى له أن يركب في فلك هذا الكون، وما شأنه فيه؟ ولهذا السؤال - إن اتبعنا الأستاذ دامبيير ويتهام - إجابتان علميتان ممكنتان:
يمكن اعتبار الحياة الإنسانية إما شيئا عرضيا تافها نتج دون أن يكون مقصودا لذاته في مجرى عمليات القوى الكونية، وإما أن تكون أعلى ما بلغه جهد التطور الخالق، وأن الأرض قد تهيأت بموجب أحداث وقعت اتفاقا في الزمان والمكان لأن تكون، دون غيرها من الأجرام، المستقر الوحيد المناسب للحياة الإنسانية.
8
وبين الإجابتين لا سبيل إلى الاختيار والمفاضلة، ففي كلتا الحالتين تعتبر حياة الإنسان جزءا من حياة الكون قد قدر لها أن تفنى بفنائه، ولنستمع في هذا لرأي برتراند رسل:
إن الإنسان وليد علل لا تفقه شيئا عن كنه الغاية التي تحدثها، وما أصله ونموه وآماله ومخاوفه وميوله ومعتقداته إلا ثمرة التقاءات عرضية للذرات، وليس في وسع أي حمية أو بطولة أو توقد فكر وشعور أن تحفظ على المرء حياته فيما وراء القبر، وكل ما كسبته الإنسانية مدى الدهر من ثمرات الكدح والتفاني والإلهام، وما أفاضت عليها العبقرية من بريق نورها الوضاء، مصيره إلى الفناء طي فناء النظام الشمسي، ومحتوم على ذلك المعبد الجامع لما شيدته يد الإنسان أن يختفي في الأنقاض التي يخلفها خراب الكون - وهذه كلها قضايا إن لم تكن بمنأى عن الاعتراض فإنها تقرب من تمام اليقين قربا يجعل أي فلسفة ترفضها غير قادرة على البقاء.
9
ومهما راجعنا أو أولنا - بكل ما أوتينا من رفق - النتائج التي وصل إليها العلم الحديث، فلا سبيل إلى اعتبار الإنسان ابن الله، خلقت الأرض لتكون مستقرا له إلى حين، بل يقرر العلم أن الاعتبار الأصدق هو أن نرى في الإنسان كائنا لا يختلف كثيرا عن شيء استقر على سطح الأرض اتفاقا، شيء أحدثته فيما بين عصرين من عصور الجليد نفس القوى التي تبلغ القمح تمام نموه وتسبب الصدأ في الحديد، أحدثته دون أن تلقي بالا إلى ما تفعل، بيد أن ذلك الشيء كان كائنا حساسا وهبته صدفة سعيدة أو غير سعيدة قوة الذكاء، ولكن ذلك الذكاء تشكله وتكيفه نفس القوى الكونية التي يحاول هو أن يدرك كنهها وأن يسيطر عليها، وأما العلة الأولى لهذه العملية الكونية التي حدث عنها الإنسان فلا ندري أهي الله أو الكهرباء، أو «قوة دفع الأثير». ومهما يكن من حقيقة هذه العلة - إن صح أنها علة، وليست مجرد فرض من الفروض ذهب إليه الفكر اضطرارا - فظاهر في معلولاتها أنها ليست خيرة أو شريرة، وليست رحيمة أو قاسية، بل هي لا تبالي بنا في كثير أو قليل، وما الإنسان في نظر الإلكترون؟ ما هو إلا لقيط نبذته القوى التي صنعته، يتيم لا يعينه ولا يرشده إلى سواء السبيل وإلى عالم خير، فلا بد له إذن من أن يدبر أمر نفسه كأحسن ما يقدر، وأن يلتمس السبل حوله في عالم لا يكترث له، مستمدا العون من ذكائه المحدود.
فهذا هو النسق العالمي الذي يشكل صفة الفكر الحديث واتجاهه، وهذا النسق استغرق نسيجه زمنا طويلا، فقد احتاج الأمر إلى ثمانية قرون من الزمان لتحل نظرية الحياة، معتبرة تغيرا أعمى يحدث لطاقة في انحلال متواصل محل نظرية الحياة معتبرة «دراما» إلهية لها غاية، وهناك الآن من الدلائل ما يدل على أن إحلال النظرية الحديثة محل القديمة قد تم، وإذا شئنا أن نعبر عن ماهية الانتقال من إحدى النظريتين للأخرى في جملة واحدة، أو بعبارة أخرى، إذا شئنا أن نصف تاريخ تطور الفكر في هذه القرون الثمانية، فلا نجد خيرا من اقتباس ما قاله أرسطوفانيس:
الملك الآن للأعاصير، فقد أنزلوا زفس عن العرش.
Página desconocida