Señales de cercanía en la búsqueda de la responsabilidad

Ibn Ukhuwwa d. 729 AH
15

Señales de cercanía en la búsqueda de la responsabilidad

معالم القربة في طلب الحسبة

Editorial

دار الفنون «كمبردج»

وَقَالَ، وَمَا الَّذِي حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت فَقُلْت شَفَقَةً مِنِّي عَلَيْك إذْ بَسَطْت يَدِي إلَى صَرْفِ مَكْرُوهٍ عَنْك فَقَصُرَتْ عَنْهُ قَالَ: فَأَطْرَقَ مُفَكِّرًا مِنْ كَلَامِي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسِهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَخَلَّصَ هَذَا الدَّنُّ الْوَاحِدُ مِنْ جُمْلَةِ الدِّنَانِ فَقُلْت فِي تَخَلُّصُهُ عِلَّةٌ أُخْبِرُ بِهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ أَذِنَ لِي فَقَالَ: أَخْبِرْنِي، فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أَقْدَمْت عَلَى الدِّنَانِ بِمُطَالَبَةِ الْحَقِّ ﷾ بِذَلِكَ، وَعَمَّ قَلْبِي شَاهِدُ الْإِجْلَالِ لِلْحَقِّ وَخَوْفِ الْمُطَالَبَةِ فَغَابَتْ هَيْبَةُ الْخَلْقِ عَنِّي فَأَقْدَمْت عَلَيْهِ بِالْحَالِ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ صِرْت إلَى هَذَا الدَّنِّ فَجَزِعَتْ نَفْسِي كَثِيرًا عَلَى أَنِّي قَدْ أَقْدَمْت عَلَى مِثْلِك فَمُنِعَتْ. وَلَوْ أَقْدَمْت بِالْحَالِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ مِلْءُ الدُّنْيَا دِنَانًا لَكَسَّرْتهَا، وَلَمْ أُبَالِ فَقَالَ الْمُعْتَضِدُ اذْهَبْ فَقَدْ أَطْلَقْنَا يَدَك غَيِّرْ مَا أَحْبَبْت أَنْ تُغَيِّرَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْغَضُ التَّغْيِيرَ؛ لِأَنِّي كُنْت أُغَيِّرُ عَنْ اللَّهِ، وَأَنَا الْآنَ أُغَيِّرُ شُرْطِيًّا فَقَالَ الْمُعْتَضِدُ مَا حَاجَتُك قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَأْمُرُ بِإِخْرَاجِي سَالِمًا فَأَمَرَ لَهُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَكَانَ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ بِهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ حَاجَةٍ يَسْأَلُهَا الْمُعْتَضِدُ فَأَقَامَ بِالْبَصْرَةِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَغْدَادَ، فَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَعَادَاتُهُمْ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِسَطْوَةِ الْمُلُوكِ لَكِنَّهُمْ اتَّكَلُوا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يَحْرُسَهُمْ، وَرَضُوا بِحُكْمِ اللَّهِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ الشَّهَادَةَ فَلَمَّا أَخْلَصُوا لِلَّهِ النِّيَّةَ أَثَّرَ كَلَامُهُمْ فِي الْقُلُوبِ الْقَاسِيَةِ فَلَيَّنَهَا، وَأَزَالَ قَسَاوَتَهَا، وَأَمَالَهَا لِلْخَيْرِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ حُبُّ الدُّنْيَا، وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِسْبَةِ

1 / 20