فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، قالت وإنما نرجوا الكرامة في رضاعة من ترضع له من والد المولود، وكان يتيما فكنا نقول ما عسى أن تصنع له أمه، فكنا نأبى، حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا.
فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
قالت: فأتيته فأخذته ثم رجعت إلى رحلي، فقال زوجي أصبت، عسى الله أن يجعل فيه خيرا.
قال: فوالله ما هو إلا أن وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى.
ثم قام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل، فحلب لبنا فشربت حتى رويت وشرب حتى روى فبتنا بخير.
فقال زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة.
قالت: ثم خرجنا فوالله لخرجت أتاني أمام الركب حتى إنهم ليقولون لي: ويحك كفي علينا، أليست بأتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: بلى والله، حتى قدمنا أرضنا، فقدمنا على أجدب أرض فوالذي نفس حليمة بيده إن كان ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي حفلا بطانا لبنا، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن، قالت فيقولون لرعاتهم ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه، فتروح أغنامهم جياعا وغنمي حفلا.
قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في السنة.
Página 128