والجسم هو امتداد المادية
Materiality ، ولكن ما حقيقة تلك المادية؟ قال ليبنتز: إنها القوة - أو الذرة - وهي ليست بمادة، وليست قابلة للامتداد ولا للتجزئة ولا للفناء؛ وللذرات الروحية تدرج في الرقي يصل إلى حد الكمال، وما بلغ منها منتهى الكمال يحكم ما لم يبلغ، وما لم يبلغ حد الكمال يطيع، والمادة الميتة هي مجموعة ذرات روحية لم تبلغ الكمال، وليس معها ذرات حاكمة، وليست الذرات الروحية في أي حال من أحوالها فائدة الحياة؛ لأن كل ذرة لها جسم وروح، فالروح ماهية المادة والجسم مظهره المحسوس.
ولئن كان ليبنتز قد رأى للمادة وجودا ما، فإن «بركلي» قد ذهب إلى أبعد منه وتغالى في الروحانية - وهو جورج بركلي قسيس «كلوين» 1685-1753م الملقب «بمحب الإنسانية الكبير والفيلسوف الصغير»، لقبه به مؤلف جرماني حديث، وربما كان غير عادل في تلقيبه بذلك - وقد ذهب بركلي إلى أن المادة لا وجود لها في الخارج، وإنما يخيل إلينا أنها موجودة، ولا وجود إلا للروح والعقل، ولا فرق بين ما نسميه شيئا حقيقيا وبعبارة أخرى (ما ندعي وجوده في الخارج)، وبين آرائنا في الشيء أو تصورنا له، بل العقل يتصور شيئا وفي الوقت عينه ينتج الشيء نفسه، وليس هناك شيء خارج العقل، فترى من هذا أن ليبنتز سلم بوجود الأشياء الخارجة، وأما بركلي فأنكر وجود شيء وراء العقل، فالشمس والقمر والأشجار عند بركلي لا وجود لها إذا لم يوجد عقل يدركها، والعقل عنده - وقد رأى بركلي تعدد العقول - لا يدرك الأشياء بنفسه ولا بقوة إرادته، ولكنه يستمد الإدراك من الله القادر، فهو سبحانه يطبع الصور في عقولنا، ونحن نسمي تلك الصور عادة أشياء حقيقية .
وقد قال في كتابه المسمى (السلسلة) الذي ابتدأه بالكلام على منافع «ماء القطران» وختمه بالكلام على «الموجود المطلق»: «ليست الآراء والأفكار خيالات باطلة يتخيلها العقل، بل هي الموجودات الحقيقية التي لا تقبل التغير، ولذلك كان وجودها أكثر تحققا من الأشياء الخارجية الزائلة التي تقع عليها حواسنا والتي لا ثبات لها، ولا يمكن أن تكون موضوعا للعلوم فضلا عن أن يدركها العقل.»
وفي العصور الحديثة جاء «هرمان لوتز» فشرح في كتابه (العالم الصغير) مذهب الروحانيين، وكذلك «شوبنهور» الذي ذهب إلى أن الإرادة هي حقيقة الأشياء، و«فخنر» الذي يقول: «إن كل شيء في الوجود حي.» يعدان من الروحانيين. (2) الواحدية والاثنينية
ذهب بعض الفلاسفة إلى أن أساس الأشياء شيء واحد، إما المادة وإما الروح، وآخرون إلى أن العالم والإنسان يتركبان من أصلين قائمين جنبا لجنب على وفاق، وهما المادة والروح، فالأولون وهم القائلون بوجود أساس واحد إليه ترجع كل الظواهر المختلفة يسمون «الواحديين»، ومذهبهم يسمى «الواحدية»، قال ولف: «الواحديون هم الفلاسفة الذين يقولون بعنصر واحد.» وهم إما ماديون إذا رأوا أن المادة هي الأصل، أو روحانيون إذا قالوا بأن الروح هي أساس الأشياء.
وقد رأى «إدوارد هارتمان» في كتابه (فلسفة اللاشاعر) أن الميل إلى «الواحدية» كان سائدا بين النظم الأساسية التي وضعها الأولون دينية كانت أو فلسفية، وأما «الاثنينية»؛ أعني المذهب القائل بوجود أساسين متعاونين: المادة والروح، فليس مذهبا يسود بين السذج فحسب، بل قد دافع عنه أيضا فلاسفة عظام من طلوع فجر المدنية إلى اليوم، قال ولف في تعريفهم: «الاثنينيون هم الذين يقولون بوجود عنصرين: مادي وروحي.»
وقد كان أنكساغوراس وأرسططاليس والرواقيون اثنينيين، وفي العصور الحديثة جاء «ديكارت» فأيد مذهب الاثنينية، ثم عدله جهلنكس إلى مذهب «الاتفاقيين»
Occasionalists ،
4
Página desconocida