تأليف
أ. س. رابوبرت
ترجمة
أحمد أمين
مقدمة المترجم للطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أتى على العرب حين من الدهر كانت لغتهم تكفي لحاجتهم؛ فلهم منها أسماء ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون وما يفكرون، فإن لم يجدوا نقلوا عن غيرهم أو خلقوا خلقا جديدا، ساروا مع زمانهم في تشريعهم وفي علومهم وفي لسانهم وفي نظمهم؛ إن أحسوا أن أمة سبقتهم في علم أنفوا أن يروا لغتهم عاطلة من حليه، فأسرعوا في ترجمته، وسدوا نقصا شعروا به، وإن رأوا معنى جديدا أو مخترعا جديدا وضعوا له لفظا جديدا، وأدخلوه في معاجمهم، وذكره العلماء في كتبهم، وإن أنتجت حالتهم الاجتماعية أنواعا من المعاملات جديدة، وأنماطا من الجرائم لم يكونوا يعرفونها شرعوا لها تشريعا جديدا يتفق مع الحوادث، وقالوا كما قال عمر بن عبد العزيز: «يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدث لهم من الفجور.» وكما قال زياد: «وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة.» فكانوا والزمان فرسي رهان يعدوان جنبا لجنب؛ علما منهم بأن لا نجاح لأمة في الحياة ما لم تعدل حياتها على وفق ما يحيط بها.
ثم وقفوا واستمر الزمن يعدو، وكلما طال وقوفهم زاد البعد وبعدت مسافة الخلف، وقفوا سبعة قرون أو تزيد، تغير فيها مفهوم الكلمات، وزادت المعاني والمخترعات، ولا تزال معاجم لغتهم مما وضع منذ قرون أمثال قاموس «الفيروزآبادي» و«لسان العرب» مما ألف لزمن غير زمانهم، في موقف غير موقفهم، والأمم الحية لا ترضى أن يكون لها في نصف قرنها الحالي معجم ألف في نصف قرنها الماضي!
اختلفت أنواع المعيشة وأصبح بعض ما كان يعد حسنا قبيحا والعكس، وتغيرت أشكال المعاملات وهم أمام ذلك جامدون، اخترعت علوم جديدة وأبطلت نظريات قديمة، واستكشفت قضايا وقوانين غيرت وجه العلم وحولت مجرى الحياة وهم يأبون إلا أن تكون الكتب كتب الأقدمين، والنظريات نظريات الأقدمين، والرأي رأي الأقدمين! نعم، ينبغي أن ننظر في القديم، ولكن ليس إلا لنتخذ منه دعامة للجديد.
Página desconocida