La Era Pre-Islámica
عصر ما قبل الإسلام
Géneros
وكان إبراهيم حين أرسلها قام يصلي، فلما أهوى إليها أخذ أخذا شديدا، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فأهوى إليها فأخذ أخذا شديدا، فقال: ادعي الله ولا أضرك ، فدعت له فأرسل، ثم فعل ذلك الثالثة، فذكر مثل المرتين، فدعا أدنى حجابه وقال له: إنك لم تأتني بإنسان وإنك أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر.» فأقبلت بهاجر الجارية المصرية إلى إبراهيم وأزمع الكل الرحيل.
ولما كانت سارة قد سلخت السنين الطوال ولم تلد لإبراهيم فإنها وهبته هاجر، وقالت: خذها لعل الله يرزقك منها ولدا، فدخل بها فلم تبطئ أن ولدت إسماعيل، وبعد أن شب إسماعيل وترعرع حملت سارة وولدت له إسحاق. (5) إسماعيل في مكة
وكانت إقامة إبراهيم في الطرف الجنوبي من بلاد فلسطين، فلما كبر الغلامان إسماعيل وإسحاق اختصما، فغضبت سارة على هاجر، وقالت: لا تساكنيني في بلد، فأوحى الله إلى إبراهيم أن يأتي مكة، وليس بها يومئذ نبت، فجاء إبراهيم بإسماعيل وأمه هاجر فوضعهما بمكة، فلما مضى نادته هاجر: يا إبراهيم من أمرك أن تتركنا بأرض ليس فيها زرع ولا ماء ولا زاد ولا أنيس، قال: أمرني ربي، قالت: فإنه لن يضيعنا، فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الحجر برجله، وانطلقت هاجر حتى صعدت الصفا لتنظر هل ترى شيئا، فلم تر شيئا، فانحدرت إلى الوادي فسعت حتى أتت المروة، فاستشرفت أن ترى شيئا فلم تر شيئا، ففعلت ذلك سبع مرات، ثم جاءت إلى إسماعيل وهو يدحض الأرض بقدميه وقد نبعت العين وهي زمزم فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء حتى لا يضيع في الرمال «وهي تقول: زم زم، فسمي لذلك زمزم.»
وكانت جرهم بواد قريب من مكة، ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء، فلما رأت جرهم الطير لزمت الوادي، قالوا: ما لزمته إلا وفيه ماء، فجاءوا إلى هاجر، فقالوا: لو شئت فكنا معك فآنسناك والماء ماؤك، فقالت: نعم، فكانوا معها حتى شب إسماعيل، وماتت هاجر، فتزوج إسماعيل منهم، ويقول ابن الأثير الذي ننقل عنه هذه الرواية: إنه تعلم العربية منهم هو وأولاده، واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر، فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل، فقدم وقد ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: «أين صاحبك؟» قالت: ليس ها هنا، ذهب يتصيد، وكان إسماعيل يخرج يتصيد ثم يرجع، قال إبراهيم: «هل عندك ضيافة؟» قالت: «ليس عندي ضيافة وما عندي أحد»، فقال إبراهيم: «إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه»، وجاء إسماعيل فقال لامرأته: «هل عندك أحد؟» قالت: «جاء لي شيخ كذا وكذا» كالمستخفة بشأنه، فعرف أنه أباه، قال: «فما قال لك؟» قالت: «قال: أقرئي زوجك السلام وقولي له فليغير عتبة بابه» فطلقها وتزوج جرهمية أخرى هي بنت مضاض بن عمرو، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له فجاء حتى انتهى إلى بيت إسماعيل قال لامرأته: «أين صاحبك؟» قالت: «ذهب يتصيد وهو يجيء الآن فانزل يرحمك الله» فقال لها: «هل عندك ضيافة؟» قالت: «نعم». قال: «فهل عندك خبز أو شعير أو تمر؟» قال: فجاءت باللبن واللحم فدعا لهما بالبركة، فقالت: انزل حتى أغسل رأسك.» فلم ينزل فجاءته بالمقام بالإناء فاغتسل فقال لها: «إذا جاء زوجك فقولي له: قد استقامت عتبة بابك»، فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: «هل جاءك أحد؟» قالت: «نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا فقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا، وغسلت رأسه، وهو يقرئك السلام، ويقول قد استقامت عتبة بابك.»
هذه القصة نقلناها عن ابن الأثير بتصرف يسير، وهي لا تختلف في جوهرها عما أورده كافة مؤرخي العرب ومعظم المستشرقين، ولا يعترض إلا بعض هؤلاء الآخرين، ونخص بالذكر منهم الأستاذ موير الذي ينفي القصة من أساسها، ويرى أنها بعض الإسرائيليات ابتكرها اليهود قبل الإسلام ليربطوا بها بينهم وبين العرب بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم أجمعين فإن كان إسحاق أبا لليهود فإذن كان أخوه إسماعيل أبا للعرب، فهم إذا أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة. ويستند المؤرخ الإنجليزي في رأيه هذا إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم؛ لأنها وثنية مغرقة في الوثنية، وكان إبراهيم حنيفا مسلما. ويرى الدكتور هيكل أن تعليل الأستاذ موير ليس كافيا لنفي واقعة تاريخية، وأن وثنية العرب بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل على أنهم كانوا كذلك حين جاء إبراهيم إلى الحجاز وحين اشترك وإسماعيل في بناء الكعبة، وأنه لا يوجد ما يمنع أن يدعو إبراهيم إلى الوحدانية فلا يستمع العرب لدعائه، فقد سبق أن دعا إليها في العراق وفي فلسطين فلم ينجح (راجع صفحتي 89 و90 من كتاب حياة محمد للدكتور هيكل باشا).
وننتقل من هذه القصة إلى قصة أخرى قام عليها الخلاف بين اليهود والمسلمين ونعني بها قصة الذبيح. (6) من الذبيح؟ إسماعيل أم إسحاق؟
تتلخص قصة الذبح هذه في أن الله تعالى أراد أن يمتحن إبراهيم، فرأى إبراهيم في منامه أن الله يأمره أن يذبح ولده، فعرض الأمر على الولد، فأعلن خضوعه لما يأمر به الله، فأخذ إبراهيم الغلام وألقاه على عنقه وخده وهم بذبحه، ففداه الله بذبح عظيم (سورة الصافات الآيات من 101 إلى 112)، ولم يذكر القرآن أي ابني إبراهيم كان الذبيح أهو إسماعيل أم إسحاق؟ كما أنه لم يذكر الموضع الذي حدثت فيه الحادثة، أكان ذلك بفلسطين أم بالحجاز؟ وقد اختلف من أجل ذلك المؤرخون والمفسرون المسلمون، فمنهم من قال: إن الذبيح هو إسماعيل، ومنهم من قال: إن الذبيح هو إسحاق، فابن مسعود ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن إسحاق يقولون: إن الذبيح هو إسماعيل، أما ابن عمر وابن عباس والحسن وعبد الله بن أحمد فيقولون: إنه إسحاق. أما التوراة فإنها تنص في الآيات من 1 إلى 14 من الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين على أن الذبيح هو إسحاق، ويرى الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه «قصص الأنبياء» مستدلا من القرآن في سورة الصافات، ومن التوراة نفسها في الآيات السالفة الذكر، على أن الذبيح هو إسماعيل، قائلا: إن لفظ إسحاق الذي ورد فيها بعد قوله: «خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض الموريا ... إلخ.» إنما حشر حشرا في الآية، حرصا من اليهود على أن يكون أبوهم هو الذبيح الذي جاد بنفسه في طاعة ربه.
وجمهور المؤرخين المسلمين يعتقد أن الذبح والفداء كانا فوق جبل من جبال مكة، أما سياق القصة سواء أكان الذبيح إسماعيل أم إسحاق فيرجح أن الذبح والفداء كانا في فلسطين، وينكر بعض المستشرقين القصة برمتها، بينما بعض المؤرخين المسلمين ينسج حولها خيوطا رائعة من خيال مؤثر، فيزعمون أن الشيطان تمثل رجلا فجاء أم الغلام فقال لها: «أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟» فقالت له: «ذهب به يحتطب لنا من هذا الشعب»، قال الشيطان: «والله ما ذهب به إلا ليذبحه»، قالت الأم: «كلا»، قال الشيطان: «إنه يزعم أن الله أمره بذلك»، قالت الأم: «فليطع أمر ربه»، ثم كان حديث بين الشيطان والأب والابن، كان جوابهما عليه كجواب الأم، فنكص الشيطان على عقبيه خزيان محنقا. ثم يصف ابن الأثير الموقف بين الأب والابن وصفا مؤثرا شعريا، فيلقي على لسان الابن أنه قال: «يا أبت إن أردت ذبحي فاشدد رباطي لئلا يصيبك من دمي شيء فينقص أجري فإن الموت شديد، واشحذ شفرتك حتى تريحني، فإذا أضجعتني فكبني على وجهي، فإني أخشى إن نظرت في وجهي أن تدركك رحمة، فتحول بينك وبين أمر الله، وإن رأيت أن ترد قميصي إلى أمي فعسى أن يكون أسلى لها عني فافعل.» فقال إبراهيم: «نعم المعين أنت أي بني على أمر الله»، فربطه كما أمره ثم حد شفرته وتله للجبين، ثم أدخل الشفرة لحلقه فقلبها الله لقفاه، ثم اجتذبها إليه ليفرغ منه فنودي: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها.» ويرى الدكتور هيكل باشا أن قصة الذبح والفداء هي قصة الإسلام لأمر الله غاية الإسلام، والتسليم لقضائه كل التسليم.»
وننتقل الآن إلى بناء إبراهيم وإسماعيل للبيت الذي بمكة. (7) تاريخ الكعبة
صحب تأسيس الكعبة أساطير عدة لا تعتمد على سند من تاريخ أو دين، وقبل أن نعالج هذه الأساطير يجب أن نذكر هنا قوله تعالى في سورة آل عمران آيتي 96، 98:
Página desconocida