لقد سبقت الأمم السابقة أوروبا في الحضارة؛ ولذلك لا تستغرب أن تكون كلمة أوروبا سامية «أروب أي غروب»؛ لأن الفينيقيين كانوا يصفون الأقاليم الأوروبية بأنها غرب بلادهم على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
ولولا أن انهزم هني البال القرطجني، وصهره أسدروبال، في محاربته للرومان لكانت أوروبا الآن في اشتراك لغوي مع الأمم السامية.
وكما اقترض الأوروبيون منا اقترضنا منهم، فقد كانت هناك دولة عربية حول دمشق أو بالقرب منها، هي دولة تدمر أو دولة زينب، وهي التي يسميها العرب الزباء، فقد كانت هذه الدولة عربية يونانية، ومن هنا مئات الكلمات التي دخلت لغتنا قبل الإسلام، ومما يلاحظ أن كثيرا من هذه الكلمات اليونانية يدل على أن الطبقة السائدة، طبقة الحاكمين، كانت عربية يونانية.
اعتبر مثلا كلمة السيف، فإنها يونانية، وقد كنت أشك في ذلك وخاصة؛ لأن السيف كان يوصف بأنه مهند أو هنداواني، أي: من الهند التي اشتهرت بصهر المعادن، ولكن اتضح لي أن السيف كلمة يونانية لفظا ومعنى.
ثم اعتبر الخطأ المشهور حين يقولون: «خرجوا للصيد والقنص» فإن المعاجم تفسر «القنص» بأنه هو الصيد، فكأنهم خرجوا للصيد والصيد، وهذا سخف.
وإنما التفسير الصحيح أن قنص كلمة لاتينية بمعنى الكلبة «كانيس»، وإذن تكون صحة الجملة «خرجوا للصيد بالقنص» أي: بالكلاب.
وأذكر أني كنت أقرأ كتاب الحيوان للجاحظ، فوجدته يقول: إن العقاب تنكدر على الذئب، وتنشب مخالبها فيه فتقطع ظهره، وأعجبتني كلمة «انكدر» وبحثت عنها فلم أجد لها أصلا عربيا ثلاثيا، وإنما وجدت لها أصلا لاتينيا هو «انكيديرا» أي: انقض عليه.
ثم وجدت أيضا أن هناك كلمات ثقافية عديدة تعود إلى اللاتينية أو اليونانية؛ مثل القلم، والقرطاس، واللغة، والأدب، والرقص، والموسيقى، والتاريخ، والجغرافيا، والفلسفة، والسفسطة، والزخرفة.
وكل هذه الكلمات، عندما نضيفها إلى كلمات الصين، تدل على أن الطبقة الحاكمة، التي كانت تمارس رياضة الصيد ورياضة الفنون الجميلة، إنما كانت يونانية لاتينية عربية، كما كان الشأن في مصر عند دخول العرب حين كانت الطبقة الحاكمة يونانية رومانية مصرية.
بل هناك ما يزيد هذا الرأي تأييدا، وهو أن كلمات الفضاء والامتلاك يونانية لاتينية أيضا.
Página desconocida