ويخرج طه حسين عما كان يأخذ نفسه به ويرى أن يأخذ العلماء أنفسهم به من الابتعاد عن الانحياز إلى الأحزاب، يكتب أن القول بأن لا زعيم إلا فلان ولا قول إلا قول فلان هو كلام مرفوض، لأن فيه مصادرة لأصحاب الآراء الأخرى لا تجوز.
وطه حسين مدرك أنه - بهذا الموقف - قد أثار سخط الجماهير عليه وعاداها، وقد سبق له أن أثار سخط السلطان واستجلب عداوته، ولكن طه حسين يكره الطغيان في كل صوره ولو كان طغيان الشعوب.
في أول العام الجامعي الجديد «22-1923» يقبل طه حسين دعوة الجمعية الجغرافية الملكية لإلقاء محاضرة بقاعتها عن المادة التي يدرسها في الجامعة وهي التاريخ اليوناني والروماني، ولكنه لا يكاد يبدأ المحاضرة حتى يقاطعه أحد الحاضرين بسؤال عن فائدة هذا الموضوع ولماذا نعنى نحن بتاريخ غيرنا بعد أن نلنا الاستقلال، لماذا لا نحصر اهتمامنا بتاريخ مصر وبتاريخ العرب والمسلمين، ما لنا وللتاريخ القديم؟
وطه حسين يبين أن العناية بمادة معينة لا تعني عدم العناية بسواها، ثم إن دراسة التاريخ اليوناني والروماني نافعة في دراسة تاريخ مصر وتاريخ العرب أيضا، وهي كذلك دراسة لجزء من تراث الإنسانية ونحن ورثة نشارك في هذا التراث فيجب أن نعرفه.
ويرضى المثقفون عن حديث طه حسين، ولكن هناك أيضا من يرضى عن مقاطعة من قاطع ويسخط على طه حسين! •••
يحاول الملك الضغط على رئيس الوزراء ثروت باشا ليعدل المواد الواردة في مشروع الدستور التي تنص على أن الأمة مصدر السلطات، وعلى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ولكي ينص الدستور المعدل على حقوق للملك، منها ولايته على التعليم الديني عن طريق وزارة الأوقاف، وحقه في تعيين رئيس مجلس الشيوخ، وكذلك للنص على استثناء بعض المعاهدات التجارية من الخضوع لسلطة البرلمان وغير ذلك من التعديلات.
والإنجليز يطالبون الوزارة بحذف المادتين الواردتين في مشروع الدستور بشأن تلقيب الملك بملك مصر والسودان وبترتيب حكم خاص للسودان.
ولكن ثروت باشا يرفض طلبات الملك، ويحاول الملك توسيط عدلي باشا يكن لدى رئيس الوزراء، فيعتذر عدلي باشا أيضا، فيرغم الملك رئيس وزرائه على الاستقالة، ويعين مكانه رئيس ديوانه توفيق نسيم باشا، ويشاع أن نسيم باشا سينفذ طلبات الملك، فيغضب الزعماء ويغضب الشعب، ويكتب الأستاذ عباس محمود العقاد مقالا يقول فيه:
الدستور كما كتب يعلن، وإن كانت به أخطاء فإن البرلمان يناقشها.
ويكتب عبد العزيز فهمي - أحد الأعضاء البارزين في لجنة الثلاثين التي أعدت الدستور - إلى رئيس الوزراء يقول له:
Página desconocida