(لَهُم ناسئ يَمْشُونَ تَحت لوائه ... يحل إِذا شَاءَ الشُّهُور وَيحرم)
وَقيل كَانَت الْعَرَب تكبس فِي كل أَربع وَعشْرين سنة قمرية بِتِسْعَة أشهر فَكَانَت شهورهم ثَابِتَة مَعَ الْأَزْمِنَة جَارِيَة على سنَن وَاحِد لَا تتأخر عَن أَوْقَاتهَا وَلَا تتقدم وَكَانَ النسيء الأول للْمحرمِ فَسُمي صفر باسمه وَشهر ربيع الأول باسم صفر
ثمَّ والوا بَين أَسمَاء الشُّهُور فَكَانَ النسيء الثَّانِي بصفر فَسُمي الَّذِي كَانَ يتلوه بصفر أَيْضا وَكَذَلِكَ حَتَّى دَار النسيء فِي الشُّهُور الاثْنَي عشر وَعَاد إِلَى الْمحرم فَأَعَادُوا فعلهم الأول وَكَانُوا يعدون أدوار النسيء ويحدون بهَا الْأَزْمِنَة فَيَقُولُونَ قد دارت السنون من لدن زمَان كَذَا إِلَى زمَان كَذَا وَكَذَا دورة فَإِن ظهر لَهُم مَعَ ذَلِك تقدم شهر عَن فصل من الْفُصُول الْأَرْبَعَة لما يجْتَمع من كسور سنة الشَّمْس بَقِيَّة فضل مَا بَينهَا وَبَين سنة الْقَمَر الَّذِي ألحقوه بهَا كبسوها كبسا ثَانِيًا
وَكَانَ يظْهر لَهُم ذَلِك بِطُلُوع منَازِل الْقَمَر وسقوطها حَتَّى هَاجر النَّبِي ﷺ وَكَانَت نوبَة النسئ بلغت شعْبَان فَسُمي محرما وَشهر رَمَضَان صفر
وَقيل إِن الناسئ الأول نسأ الْمحرم وَجعله كبسا وَأخر الْمحرم إِلَى صفر وصفر إِلَى ربيع الأول وَكَذَا بَقِيَّة الشُّهُور فَوَقع لَهُم فِي تِلْكَ السّنة عَاشر الْمحرم وَجعل تِلْكَ السّنة ثَلَاثَة عشر شهرا وَنقل الْحَج بعد كل ثَلَاث سِنِين شهرا فَمضى على ذَلِك مِائَتَان وَعشر سِنِين وَكَانَ انقضاؤها سنة حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ وُقُوع الْحَج فِي السّنة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة عَاشر ذِي الْقعدَة وَهِي السّنة الَّتِي حج فِيهَا أَبُو بكر الصّديق ﵁ بالناسئ ثمَّ حج رَسُول الله ﷺ فِي السّنة الْعَاشِرَة حجَّة الْوَدَاع لوُقُوع الْحَج فِيهَا عَاشر ذِي الْحجَّة كَمَا كَانَ فِي عهد إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَلذَلِك قَالَ ﷺ فِي حجَّته هَذِه إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض يَعْنِي رُجُوع الْحَج والشهور إِلَى الْوَضع وَأنزل الله تَعَالَى إبِْطَال النسيء بقوله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا﴾
1 / 25