بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
خطْبَة الْكتاب
الْحَمد لله الَّذِي كَانَ وَلم يكن مَعَه شَيْء من الأكوان فخلق الأَرْض وَالسَّمَوَات واستوى على الْعَرْش وَخلق الْإِنْسَان وَعلمه الْبَيَان ثمَّ حكم على الْكل بالفناء وَقَالَ فِي الْكتاب ﴿كل من عَلَيْهَا فان﴾ وسينقلهم إِلَى البرزخ وَمِنْه إِلَى دَار الْجَزَاء الَّتِي نطق بهَا الحَدِيث وأثبتها الْقُرْآن وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على مصطفاه مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله الَّذِي بَعثه إِلَى الْخلق أَجْمَعِينَ وَختم بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وعَلى آله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان وَبعد
فَاعْلَم أَن التَّارِيخ عبارَة عَن يَوْم ينْسب إِلَيْهِ مَا يَأْتِي بعده وَيُقَال أَيْضا التَّارِيخ عبارَة عَن مُدَّة مَعْلُومَة تعد من أول زمن مَفْرُوض لتعرف بهَا الْأَوْقَات المحدودة وَلَا غنى عَن التَّارِيخ فِي جَمِيع الْأَحْوَال الدُّنْيَوِيَّة والأمور الدِّينِيَّة وَلكُل أمة من أُمَم الْبشر تَارِيخ تحْتَاج إِلَيْهِ فِي معاملاتها وَفِي معرفَة أزمنتها تنفرد بِهِ دون غَيرهَا من بَقِيَّة الْأُمَم وَأول الْأَوَائِل الْقَدِيمَة وأشهرها هُوَ كَون مبدأ الْبشر وَلأَهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس فِي كيفيته وسياقة التَّارِيخ مِنْهُ خلاف لَا يجوز مثله فِي التواريخ وكل مَا تتَعَلَّق مَعْرفَته ببدء الْخلق وأحوال الْقُرُون السالفة فَإِنَّهُ مختلط بتزويرات وأساطير لبعد الْعَهْد وَعجز المعتنى بِهِ عَن حفظه
1 / 3
وَقد قَالَ الله ﷾ ﴿ألم يأتكم نبأ الَّذين من قبلكُمْ قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله﴾
وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة وَيَقُول كذب النسابون وَعَن عَمْرو بن مَيْمُون مثله
وَعَن أبي مجلز قَالَ قَالَ رجل لعَلي بن أبي طَالب أَنا أنسب النَّاس قَالَ إِنَّك لَا تنْسب النَّاس قَالَ بلَى قَالَ عَليّ أَرَأَيْت قَوْله ﴿وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقرونا بَين ذَلِك كثيرا﴾ قَالَ أَنا أنسب ذَلِك الْكثير قَالَ أَرَأَيْت قَوْله ﴿وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله﴾ فَسكت
وَعَن عُرْوَة ابْن الزبير قَالَ مَا وجدنَا أحدا يعرف مَا وَرَاء معد ابْن عدنان
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَا بَين عدنان واسماعيل ثَلَاثُونَ لَا يعْرفُونَ
وَقَالَ أهل التَّفْسِير فِي هَذِه الْآيَة عدم الْعلم من غير الله أما أَن يكون رَاجعا إِلَى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم أَي هَذِه الْأُمُور لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَلَا يعلمهَا غَيره أَو يكون رَاجعا إِلَى ذواتهم أَي إِنَّه لَا يعلم ذَوَات أُولَئِكَ الَّذين من بعدهمْ إِلَّا الله تَعَالَى وَلم يبلغنَا خبرهم أصلا وَلَا مَانع من حمل الْآيَة على الْكل فَالْأولى أَن لَا يقبل من ذَلِك إِلَّا مَا يشْهد بِهِ كتاب أنزل من عِنْد الله يعْتَمد على صِحَّته لم يرد فِيهِ نسخ وَلَا طرْقَة تَبْدِيل أَو خبر يَنْقُلهُ الثقاة
وَإِذا نَظرنَا فِي التَّارِيخ وجدنَا فِيهِ بَين الْأُمَم خلافًا كثيرا وسأتلو عَلَيْك من ذَلِك مَا لَا أَظُنك تَجدهُ مجموعا فِي كتاب
والتاريخ كلمة فارسية أَصْلهَا ماه روز ثمَّ عربت قَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْبَلْخِي فِي كتاب مَفَاتِيح الْعُلُوم وَهُوَ
1 / 4
كتاب جليل الْقدر وَهَذَا اشتقاق بعيد لَوْلَا أَن الرِّوَايَة جَاءَت بِهِ
وَقَالَ قدامَة بن جَعْفَر فِي كتاب الْخراج تَارِيخ كل شَيْء آخِره وَهُوَ فِي الْوَقْت غَايَته يُقَال فلَان تَارِيخ قومه أَي إِلَيْهِ يَنْتَهِي شرفهم وَيُقَال ورخت الْكتاب توريخا وأرخته تَارِيخا اللُّغَة الأولى لتميم وَالثَّانيَِة لقيس
وَلكُل أهل مِلَّة تَارِيخ فَكَانَت الْأُمَم تؤرخ أَولا بتاريخ الخليقة وَهُوَ ابْتِدَاء كَون النَّسْل من آدم ﵇ ثمَّ أرخت بالطوفان وأرهت ببخت نصر وأرخت بفليبس وأرخت بالإسكندر ثمَّ باغشطش ثمَّ بالظينس ثمَّ بدقلطيانوس وَبِه تؤرخ القبط ثمَّ لم يكن بعد تَارِيخ القبط إِلَّا تَارِيخ الْهِجْرَة ثمَّ تَارِيخ يزدجرد فَهَذِهِ تواريخ الْأُمَم الْمَشْهُورَة وَلِلنَّاسِ تواريخ أُخْرَى قد انْقَطع ذكرهَا
فَأَما تَارِيخ الخليقة
وَيُقَال لَهُ ابْتِدَاء كَون النَّسْل وَبَعْضهمْ يَقُول بَدْء التحرك فَإِن لأهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس فِي كيفيته وسياقة التَّارِيخ مِنْهُ خلافًا كثيرا قَالَ الْمَجُوس وَالْفرس عمر الْعَالم اثْنَا عشر ألف عَام على عدد بروج الْفلك وشهور السّنة وَزَعَمُوا أَن زرادشت صَاحب شريعتهم قَالَ أَن الْمَاضِي من الدُّنْيَا إِلَى وَقت ظُهُوره ثَلَاثَة آلَاف سنة مكبة سة الأرباع وَبَين ظُهُور زرادشت وَأول تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَتَا سنة وثمان وَخَمْسُونَ سنة
وَإِذا حَسبنَا من أول يَوْم كيومرت الَّذِي هُوَ عِنْدهم الْإِنْسَان الأول وجمعنا مُدَّة كل من ملك بعده فَإِن الْملك ملصق فيهم غير مُنْقَطع عَنْهُم كَانَ الْعدَد مِنْهُ إِلَى الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وأربعا وَخمسين سنة فَإِذا لم يتَّفق التَّفْصِيل مَعَ الْجُمْلَة قَالَ قوم الثَّلَاثَة الآلاف الْمَاضِيَة إِنَّمَا هِيَ من خلق كيومرت فَإِنَّهُ مضى قبله ألف سنة والفلك فِيهَا وَاقِف غير متحرك والطبائع غير مستحيلة والأمهات غير متمازجة والكون وَالْفساد غير
1 / 5
مَوْجُود فِيهَا وَالْأَرْض غير عامرة فَلَمَّا تحرّك الْفلك حدث الْإِنْسَان الأول فِي معدل النَّهَار وتولد الْحَيَوَان وتوالد وتناسل الْإِنْس فكثروا وامتزجت أَجزَاء العناصر للكون وَالْفساد فعمرت الدُّنْيَا وانتظم الْعلم
وَقَالَ الْيَهُود الْمَاضِي من آدم إِلَى الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وثمان وَأَرْبَعُونَ سنة
وَقَالَ النَّصَارَى الْمدَّة بَينهمَا خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَثَمَانُونَ سنة وَزَعَمُوا أَن الْيَهُود نقصوها ليَقَع خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم ﵇ فِي الْألف الرَّابِع وسط السَّبْعَة الآلاف الَّتِي هِيَ مِقْدَار الْعَالم عِنْدهم حَتَّى تخَالف ذَلِك الْوَقْت الَّذِي سبقت الْبشَارَة من الْأَنْبِيَاء الَّذين كَانُوا بعد مُوسَى ابْن عمرَان ﵇ بِوِلَادَة الْمَسِيح عِيسَى وَإِذا جمع مَا فِي التَّوْرَاة الَّتِي بيد الْيَهُود من الْمدَّة الَّتِي بَين آدم ﵇ وَبَين الطوفان كَانَت ألفا وسِتمِائَة وستا وَخمسين سنة وَعند النَّصَارَى فِي إنجيلهم أَلفَانِ وَمِائَتَا سنة وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة
وتزعم الْيَهُود أَن توراتهم بعيدَة عَن التخاليط وتزعم النَّصَارَى أَن توراة السّبْعين الَّتِي هِيَ بِأَيْدِيهِم لم يَقع فِيهَا تَحْرِيف وَلَا تَبْدِيل وَتقول الْيَهُود فِيهَا خلاف ذَلِك وَتقول السامرية بِأَن توراتهم هِيَ الْحق وَمَا عَداهَا بَاطِل وَلَيْسَ فِي اخْتلَافهمْ مَا يزِيل الشَّك بل يُقَوي الجالبة لَهُ وَهَذَا الإختلاف بِعَيْنِه بَين النَّصَارَى أَيْضا فِي الْإِنْجِيل وَذَلِكَ أَن لَهُ عِنْد النَّصَارَى أَربع نسخ مَجْمُوعَة فِي مصحف وَاحِد أَحدهَا إنجيل مَتى وَالثَّانِي لمارقوس وَالثَّالِث للوقا وَالرَّابِع ليوحنا
قد ألف كل من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة إنجيلا على حسب دَعوته فِي بِلَاده
وَهِي مُخْتَلفَة إختلافا كثيرا حَتَّى فِي صِفَات الْمَسِيح ﵇ وَأَيَّام دَعوته وَوقت الصلب بزعمهم وَفِي نسبه أَيْضا وَهَذَا الإختلاف لَا يحْتَمل مثله وَمَعَ هَذَا فَعِنْدَ كل من أَصْحَاب مرقيون وَأَصْحَاب ابْن ويصان إنجيل يُخَالف بعضه هَذِه الأناجيل ولأصحاب ماني إنجيل على حِدة يُخَالف مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى من أَوله إِلَى آخِره ويزعمون أَنه هُوَ الصَّحِيح وَمَا عداهُ بَاطِل وَلَهُم
1 / 6
أَيْضا إنجيل يُسمى إنجيل السّبْعين ينْسب إِلَى تلامس وَالنَّصَارَى وَغَيرهم ينكرونه
وَإِذا كَانَ الْأَمر من الإختلاف بَين أهل الْكتاب كَمَا قد رَأَيْت
وَلم يكن للْقِيَاس والرأي مدْخل فِي تَمْيِيز حق ذَلِك من باطله امْتنع الْوُقُوف على حَقِيقَة ذَلِك من قبلهم وَلم يعول على شَيْء من أَقْوَالهم فِيهِ
وَأما غير أهل الْكتاب فَإِنَّهُم أَيْضا مُخْتَلفُونَ فِي ذَلِك
قَالَ أشوس بَين خلق آدم وَبَين لَيْلَة الْجُمُعَة أول الطوفان ألفا سنة ومئتا سنة وست وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأَرْبع سَاعَات
وَقَالَ ماشاه واسْمه منشا بن أثرى منجم الْمَنْصُور والمأمون فِي كتاب القرانات أول قرَان وَقع بَين زحل وَالْمُشْتَرِي فِي بَدْء التحرك يَعْنِي ابْتِدَاء النَّسْل من آدم كَانَ على مُضِيّ خَمْسمِائَة وتسع سِنِين وشهرين وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا مَضَت من ألف المريخ فَوَقع الْقُرْآن فِي برج الثور من الْمُثَلَّثَة الأرضية على سبع درج واثنتين وَأَرْبَعين دقيقة وَكَانَ انْتِقَال الْقَمَر من برج الْمِيزَان والمثلثة الهوائية إِلَى برج الْعَقْرَب والمثلثة المائية بعد ذَلِك بألفي سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة وإثنتي عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَوَقع الطوفان فِي الشَّهْر الْخَامِس من السّنة الأولى من الْقُرْآن الثَّانِي من قرانات هَذِه الْمُثَلَّثَة المائية وَكَانَ بَين وَقت الْقرَان الأول الْكَائِن فِي بَدْء التحرك وَبَين الشَّهْر الَّذِي كَانَ فِيهِ الطوفان أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَسِتَّة أشهر وَاثنا عشر يَوْمًا قَالَ وَفِي كل سَبْعَة آلَاف سنة وسنتين وَعشرَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام يرجع الْقرَان إِلَى مَوْضِعه من برج الثور الَّذِي كَانَ فِي بَدْء التحرك وَهَذَا القَوْل أعزّك الله هُوَ الَّذِي اشْتهر حَتَّى ظن كثير من أهل الْملَل أَن مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة فَلَا تغتر بِهِ وتنبه إِلَى اصله تَجدهُ أوهن من بَيت العنكبوت فَاطْرَحْهُ
وَقيل كَانَ بَين آدم وَبَين الطوفان ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَخمْس وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل كَانَت بَينهمَا مُدَّة أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وست وَخمسين سنة وَقيل أَلفَانِ وَثَمَانُونَ سنة
1 / 7
وَأما تَارِيخ الطوفان
فَإِنَّهُ يَتْلُو تَارِيخ الخليقة وَفِيه من الإختلاف مَا لَا يطْمع فِي حَقِيقَته من أجل الإختلاف فِيمَا بَين آدم وَبَينه وَفِيمَا بَينه وَبَين تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر
فَإِن الْيَهُود عِنْدهم أَن بَين الطوفان وَبَين الْإِسْكَنْدَر ألفا وَسَبْعمائة واثنتين وَتِسْعين سنة وَعند النَّصَارَى بَينهمَا ألفا سنة وَتِسْعمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ سنة وَالْفرس وَسَائِر الْمَجُوس والكلدانيون أهل بابل والهند وَأهل الصين وأصناف الْأُمَم المشرقية يُنكرُونَ الطوفان وَأقر بِهِ بعض الْفرس لكِنهمْ قَالُوا لم يكن الطوفان بسوى الشَّام وَالْمغْرب وَلم يعم الْعمرَان كُله وَلَا غرث إِلَّا بعض النَّاس وَلم يتَجَاوَز عقبَة حلوان وَلَا بلغ إِلَى ممالك الْمشرق وَلم يعم الْعمرَان ممالك الْمشرق
قَالُوا وَوَقع فِي زمَان طهمورت أَن أهل الْمغرب لما أنذر حكماؤهم بالطوفان اتَّخذُوا المباني الْعَظِيمَة كالهرمين بِمصْر وَنَحْوهمَا ليدخلوا فِيهَا عِنْد حُدُوثه وَلما بلغ طهمورت الْإِنْذَار بالطوفان قبل كَونه بِمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة أَمر بِاخْتِيَار مَوَاضِع فِي مَمْلَكَته صَحِيحَة الْهَوَاء والتربة فَوجدَ ذَلِك بأصفهان فَأمر بتجليد الْعُلُوم ودفنها فِيهَا فِي أسلم الْمَوَاضِع وَيشْهد لهَذَا مَا وجد بعد الثلاثمائة من سني الْهِجْرَة فِي حَيّ من مَدِينَة أصفهان من التلال الَّتِي انشقت عَن بيُوت مَمْلُوءَة أعدالا عدَّة كَثِيرَة قد ملئت من لحاء الشّجر الَّتِي تلبس بهَا القسي وَتسَمى التور مَكْتُوبَة بِكِتَابَة لم يدر أحد مَا هِيَ
وَأما المنجمون فَإِنَّهُم صححوا هَذِه السنين من الْقرَان الأول من قرانات العلويين زحل وَالْمُشْتَرِي الَّتِي أثبت عُلَمَاء أهل بابل والكلدانين مثلهَا إِذْ كَانَ الطوفان ظُهُوره من ناحيتهم فَإِن السَّفِينَة اسْتَقَرَّتْ على الجودي وَهُوَ غير بعيد من تِلْكَ النواحي
قَالُوا وَكَانَ هَذَا الْقرَان قبل الطوفان بمائتين وَعشر ين سنة وَمِائَة وَثَمَانِية أيوام واعتنوا بأمرها وصححوا مَا بعْدهَا فوجدوا مَا بَين الطوفان وَبَين أول ملك بخت نصر الأول الفي سنة وسِتمِائَة وَأَرْبع سِنِين وَبَين
1 / 8
بخت نصر هَذَا وَبَين الْإِسْكَنْدَر أَرْبَعمِائَة وست وَثَلَاثُونَ سنة وعَلى ذَلِك بني أَبُو معشر أوساط الْكَوَاكِب فِي زيجه وَقَالَ كَانَ الطوفان عِنْد اجْتِمَاع الْكَوَاكِب فِي آخر برج الْحُوت وَأول برج الْحمل وَكَانَ بَين وَقت الطوفان وَبَين تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر قدر ألفي سنة وَسَبْعمائة وَتِسْعين سنة مكبوسة وَسَبْعَة أشهر وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَبَينه وَبَين يَوْم الْخَمِيس أول الْمحرم من السّنة الأولى من سني الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة ألف ألف يَوْم وثلاثمائة ألف يَوْم وَتِسْعَة وَخَمْسُونَ ألف يَوْم وَتِسْعمِائَة يَوْم وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ يَوْمًا يكون من السنين الفارسية المصرية ثَلَاثَة آلَاف سنة وَسَبْعمائة سنة وَخمْس وَعِشْرُونَ سنة وثلاثمائة يَوْم وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا
وَمِنْهُم من يرى أَن الطوفان كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَعند أبي معشر أَنه كَانَ يَوْم الْخَمِيس وَلما تقرر عِنْده الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة وَخرجت لَهُ الْمدَّة الَّتِي تسمى أدوار الْكَوَاكِب وَهِي بزعمهم ثَلَاثمِائَة ألف وَسِتُّونَ ألف سنة شمسية وأولها مقدم على وَقت الطوفان بِمِائَة ألف وَثَمَانِينَ ألف سنة شمسية حكم بِأَن الطوفان كَانَ فِي مائَة ألف وَثَمَانِينَ ألف سنة وسيكون فِيمَا بعد كَذَلِك وَمثل هَذَا لَا يقبل إِلَّا بِحجَّة أَو من مَعْصُوم
وَأما تَارِيخ بخت نصر
فَإِنَّهُ على سني القبط وَعَلِيهِ يعْمل فِي اسْتِخْرَاج مَوَاضِع الْكَوَاكِب من كتاب المجسطي ثمَّ أدوار قالليس وَأول أدواره فِي سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة لبخت نصر وكل دور مِنْهَا سِتّ وَسَبْعُونَ سنة شمسية
وَكَانَ قالليس من جملَة أَصْحَاب التعاليم وبخت نصر هَذَا لَيْسَ هُوَ الَّذِي خرب بَيت الْمُقَدّس وَإِنَّمَا هُوَ آخر كَانَ قبل بخت نصر مخرب بَيت الْمُقَدّس بِمِائَة وَثَلَاث وَأَرْبَعين سنة وَهُوَ إسم فَارسي أَصله بخت برسي وَمَعْنَاهُ كثير الْبكاء والأنين وَيُقَال لَهُ بالعبرانية نصار وَقيل تَفْسِيره عُطَارِد وَهُوَ ينْطق وَذَلِكَ لتجنبه عَن الْحِكْمَة وتغريب أَهلهَا ثمَّ عرب فَقيل بخت نصر
1 / 9
وَأما تَارِيخ فيلبش
فَإِنَّهُ على سني القبط وَكَثِيرًا مَا يسْتَعْمل هَذَا التَّارِيخ من موت الْإِسْكَنْدَر الْبناء المقدوني وكلا الْأَمريْنِ سَوَاء فَإِن الْقَائِم بعد إلبناء هُوَ فيلبش فَسَوَاء كَانَ من موت الأول أَو من قيام الآخر فَإِن الْحَالة المؤرخة هِيَ كالفصل الْمُشْتَرك بَينهمَا
وفيلبش هَذَا هُوَ أَبُو الْإِسْكَنْدَر المقدوني وَيعرف هَذَا التَّارِيخ بتاريخ الإسكندرانين وَعَلِيهِ بنى تاون الإسْكَنْدراني فِي تَارِيخه الْمَعْرُوف بالقانون وَالله أعلم
وَأما تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر
فَإِنَّهُ على سني الرّوم وَعَلِيهِ يعْمل أَكثر الْأُمَم إِلَى وقتنا هَذَا من أهل الشَّام وَأهل بِلَاد الرّوم وَأهل الْمغرب والأندلس والإفرنج وَالْيَهُود
وَقَالَ أَبُو الريحان مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَيْرُوتِي تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر اليوناني الَّذِي يلقبه بَعضهم بِذِي القرنين على سني الرّوم وَعَلِيهِ عمل أَكثر الْأُمَم لما خرج من بِلَاد يونان وَهُوَ ابْن سِتّ وَعشْرين سنة لقِتَال دَارا ملك الْفرس
وَلما ورد بَيت الْمُقَدّس أَمر الْيَهُود بترك تَارِيخ دَاوُد ومُوسَى ﵉ والتحول إِلَى تَارِيخه فَأَجَابُوهُ وانتقلوا إِلَى تَارِيخه واستعملوه فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بعد أَن عملوه من السّنة السَّادِسَة وَالْعِشْرين لميلاده وَهُوَ أول وَقت تحركه ليتموا ألف سنة من لدن مُوسَى ﵇ وبقوا معتصمين بِهَذَا التَّارِيخ ومستعملين لَهُ وَعَلِيهِ عمل اليونانيين وَكَانُوا قبله يؤرخون بِخُرُوج يونان بن نورس عَن بابل إِلَى الْمغرب
وَأول تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول تشرين الأول وموافقه الْيَوْم الرَّابِع من بَابه ومبادي الْأَيَّام عِنْدهم من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا إِلَى أَن يصبح الصَّباح وتطلع الشَّمْس فقد كمل بليلة ومبادي الشُّهُور
1 / 10
ترجع إِلَى عدد وَاحِد لَهُ نظم يجْرِي عَلَيْهِ دَائِما شهور سنتهمْ اثْنَا عشر شهرا يُخَالف بَعْضهَا بَعْضًا فِي الْعدَد وَهَذِه أسماؤها وَعدد أَيَّام كل شهر مِنْهَا تشرين الأول أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا تشرين الثَّانِي ثَلَاثُونَ يَوْمًا كانون الأول أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا كانون الثَّانِي أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا شباط ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَربع آذار أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا نيسان ثَلَاثُونَ يَوْمًا أيار أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا حزيران ثَلَاثُونَ يَوْمًا تموز أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا آب أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا أيلول ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَشهر وَاحِد ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَربع يَوْم وَذَلِكَ أَنهم جعلُوا شباط كل ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا وَربع يَوْم وجعلوه فِي السّنة الرَّابِعَة تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا فَيكون عدد أَيَّام سنتهمْ ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا ويجعلون السّنة الرَّابِعَة ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة وَسِتِّينَ يَوْمًا ويسمونها السّنة الكبيسة وَإِنَّمَا زادوا الرّبع فِي كل سنة ليقرب عدد أَيَّام سنتهمْ من عدد أَيَّام السّنة الشمسية حَتَّى تبقى أُمُورهم على نظام وَاحِد فَتكون شهور الْبرد وشهور الْحر وَأَوَان الزَّرْع ولقاح الشّجر وجني الثَّمر فِي وَقت مَعْلُوم من السّنة لَا يتَغَيَّر وَقت شَيْء من ذَلِك الْبَتَّةَ
وَكَانَ ابْتِدَاء الكبيس فِي السّنة الثَّالِثَة من ملك الْإِسْكَنْدَر وَبَين يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول يَوْم من تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر هَذَا وَبَين يَوْم الْخَمِيس أول شهر الْمحرم من السّنة الَّتِي هَاجر نَبينَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب رَسُول الله ﷺ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة تِسْعمائَة سنة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَمِائَة وَخَمْسَة يَوْمًا وَبَينه وَبَين يَوْم الْجُمُعَة أول يَوْم من الطوفان ألفا سنة وَسَبْعمائة سنة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة وَمِائَة وَثَلَاثَة وَتسْعُونَ يَوْمًا وَبَين ابْتِدَاء ملك بخت نصر وَبَين أول تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر أَرْبَعمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ سنة شمسية وَمِائَتَا يَوْم وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ يَوْمًا
قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ فِي كتاب الفلاحة النبطية أَن شهورهم هَذِه كل وَاحِد مِنْهَا اسْم رجل فَاضل عَالم
قف التَّحْقِيق عِنْد عُلَمَاء الْأَخْبَار أَن ذَا القرنين الَّذِي ذكره الله فِي
1 / 11
كِتَابه فَقَالَ ﴿ويسألونك عَن ذِي القرنين﴾ الْآيَات عَرَبِيّ قد كثر ذكره فِي أشعار الْعَرَب وَأَن اسْمه الصعب بن ذِي مراثد بن الْحَارِث الرائش بن الهمال ذِي سدد بن عَاد بن دلدار فخشد بن سَام بن نوح ﵇ وَأَنه ملك من مُلُوك حمير وهم الْعَرَب العاربة وَيُقَال لَهُم أَيْضا الْعَرَب العرباء
وَكَانَ ذُو القرنين تبعا متوجا وَلما ولي الْملك تجبر ثمَّ تواضع لله وَاجْتمعَ بالخضر وَقد غلط من ظن أَن الْإِسْكَنْدَر بن فيلبش هُوَ ذُو القرنين الَّذِي بنى السد فَإِن لَفْظَة ذُو عَرَبِيَّة وَذُو القرنين من ألقاب الْعَرَب مُلُوك الْيمن وَذَاكَ رومي يوناني
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَكَانَ الْخضر فِي أَيَّام أفريدون الْملك بن الضَّحَّاك فِي قَول عَامَّة أهل الْكتاب الأول وَقبل مُوسَى بن عمرَان ﵇
وَقيل إِنَّه كَانَ على مُقَدّمَة ذِي القرنين الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ على أَيَّام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ﵇
وَقَالَ آخَرُونَ إِن ذَا القرنين هَذَا هُوَ أفريدون
وَقَالَ عبد الْملك بن هِشَام فِي كتاب التيجان فِي معرفَة مُلُوك الزَّمَان بَعْدَمَا ذكر نسب ذِي القرنين إجتمع بالخضر فِي بَيت الْمُقَدّس وَسَار مَعَه مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وأوتي من كل شَيْء سَببا كَمَا أخبر الله تَعَالَى وَبنى السد على يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمَات بالعراق
وَأما الْإِسْكَنْدَر فَإِنَّهُ يوناني وَيعرف بالمجدوني وَيُقَال المقدوني
وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن ذِي القرنين مِمَّن كَانَ فَقَالَ من حمير قيل لَهُ فالإسكندر قَالَ كَانَ روميا حكيما بنى على الْبَحْر فِي أفريقية منارا وَأخذ أَرض رومة وأتى بَحر الغرب وَأكْثر من عمل المصانع والمدن
وَسُئِلَ كَعْب الْأَحْبَار عَنهُ فَقَالَ الصَّحِيح عندنَا من أخبارنا وأسلافنا
1 / 12
أَنه من حمير والإسكندر كَانَ رجلا من يونان من ولد عيصو بن اسحاق ابْن إِبْرَاهِيم وَرِجَال الْإِسْكَنْدَر أدركوا الْمَسِيح بن مَرْيَم مِنْهُم جالينوس وأرسطا طاليس
وَقَالَ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير وَمِمَّا يعْتَرض بِهِ على من قَالَ إِن الْإِسْكَنْدَر هُوَ ذُو القرنين أَن معلم الْإِسْكَنْدَر كَانَ أرسطا طاليس بأَمْره يأتمر وبنهيه يَنْتَهِي
واعتقاد أرسطا طاليس مَشْهُور وَذُو القرنين نَبِي فَكيف يَقْتَدِي بِنَبِي بِأَمْر كَافِر فِي هَذَا أشكال
وَقَالَ الجاحظ فِي كتاب الْحَيَوَان أَن ذَا القرنين كَانَت أمه آدمية وَأَبوهُ من الْمَلَائِكَة وَلذَلِك لما سمع عمر بن الْخطاب رجلا يُنَادي رجلا يَا ذَا القرنين قَالَ أفرغتم من أَسمَاء الْأَنْبِيَاء فارتفعتم إِلَى أَسمَاء الْمَلَائِكَة وَكَانَ عَليّ إِذا ذكره قَالَ ذَلِك الْملك الأمرط انْتهى
قلت وَفِي ذِي القرنين أقاويل كَثِيرَة ذكرتها فِي فتح الْبَيَان فِي مَقَاصِد الْقُرْآن تَفْسِير لي فِي أَرْبَعَة مجلدات
وَأما تَارِيخ أغشطش
فَإِنَّهُ لَا يعرف الْيَوْم أحد يَسْتَعْمِلهُ وأغشطش هَذَا هُوَ أول القياصرة وَمعنى قَيْصر بالرومية شقّ عَنهُ فَإِن أغشطش هَذَا لما حملت بِهِ أمه مَاتَت فِي الْمَخَاض فشق بَطنهَا حَتَّى أخرج مِنْهُ فَقبل قَيْصر بِهِ يلقب من بعده من مُلُوك الرّوم وَيَزْعُم النَّصَارَى أَن الْمَسِيح ﵇ ولد لأربعين سنة من ملكه وَفِي هَذَا القَوْل نظر فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد سِيَاقَة السنين والتواريخ بل يَجِيء تَعْدِيل وِلَادَته ﵇ فِي السّنة السَّابِعَة عشرَة من ملكه
وَأما تَارِيخ الظينس
فَإِن بطليموس صحّح الْكَوَاكِب الثَّابِتَة فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالمجسطي لأوّل ملكه على الرّوم وسنو هَذَا التَّارِيخ رُومِية
1 / 13
ذكر السّنة الشمسية والقمرية
هِيَ عبارَة عَن عود الشَّمْس فِي فلك البروج إِذا تحركت على خلاف حَرَكَة الْكل إِلَى أَي نقطة فرضت إبتداء حركتها وَذَلِكَ أَنَّهَا تستو فِي الْأَزْمِنَة الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ الرّبيع والصيف والخريف والشتاء وتحوز طبائعها الْأَرْبَع وتنتهي إِلَى حَيْثُ بدأت
وَفِي هَذِه الْمدَّة يَسْتَوْفِي فِي الْقَمَر اثْنَتَيْ عشرَة وَأَقل من نصف عودة ويستهل اثْنَتَيْ عشرَة عودة مرّة فَجعلت الْمدَّة الَّتِي فِيهَا عودات الْقَمَر الإثنتا عشرَة فِي فلك البروج سنة للقمر على جِهَة الْإِصْلَاح وَأسْقط الْكسر الَّذِي هُوَ أحد عشر يَوْمًا بالتقريب فَصَارَت السّنة على قسمَيْنِ سنة شمسية وَسنة قمرية لوجميع من على وَجه الأَرْض من الْأُمَم أخذُوا تواريخ سنيهم من مسير الشَّمْس وَالْقَمَر فالآخذون بسير الشَّمْس خمس أُمَم اليونانيون والسريانيون والقبط وَالروم وَالْفرس والآخذون بسير الْقَمَر خمس أُمَم هم الْعَرَب الْيَهُود وَالنَّصَارَى والمسلمون والهند فَأهل قسطنطينية والإسكندرية وَسَائِر الرّوم والسريانيون والكلدانيون وَأهل مصر وَمن يعْمل بِرَأْي المعتضد أخذُوا بِالسنةِ الشمسية الَّتِي هِيَ ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَربع يَوْم بالتقريب وصيروا السّنة ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وألحقوا الأرباع بهَا فِي كل أَربع سِنِين يَوْمًا حَتَّى أنجبرت السّنة وَسموا تِلْكَ السّنة كبيسة لإنكباس الأرباع فِيهَا
وَأما قبط مصر القدماء فَإِنَّهُم كَانُوا يتركون الأرباع حَتَّى يجْتَمع مِنْهَا أَيَّام سنة تَامَّة وَذَلِكَ فِي كل ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ سنة ثمَّ يكسبونها سنة
1 / 14
وَاحِدَة وينفقون حِينَئِذٍ فِي أول تِلْكَ السّنة مَعَ أهل الْإسْكَنْدَريَّة وقسطنطينية
وَأما الْفرس فَإِنَّهُم جعلُوا السّنة ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا من غير كبس حَتَّى اجْتمع لَهُم من ربع الْيَوْم فِي مائَة وَعشْرين سنة أَيَّام شهر تَامّ وَمن خمس السَّاعَة الَّذِي يتبع ربع الْيَوْم عِنْدهم يَوْم وَاحِد فألحقوا الشَّهْر التَّام بهَا فِي كل مائَة وست عشرَة سنة وَاقْتضى أَثَرهم فِي هَذَا أهل خوارزم القدماء والصغد وَمن دَان بدين فَارس
وَكَانَت الْمُلُوك البيشدادية مِنْهُم وهم الَّذين ملكوا الدُّنْيَا بحذافيرها يعْملُونَ السّنة ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا كل شهر مِنْهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا سَوَاء وَكَانُوا يكبسون السّنة كل سِتّ سِنِين بِشَهْر ويسمونها كبيسة وكل مائَة وَعشْرين سنة بِشَهْر أَحدهمَا بِسَبَب خَمْسَة الْأَيَّام وَالثَّانِي بِسَبَب ربع الْيَوْم وَكَانُوا يعظمون تِلْكَ السّنة ويسمونها الْمُبَارَكَة
وَأما قدماء القبط وَأهل فَارس فِي الْإِسْلَام وَأهل خوارزم والصغد فتركوا الكسور أَعنِي الرّبع وَمَا يتبعهُ أصلا
وَأما العبرانيون وَجَمِيع بني إِسْرَائِيل والصابئون والحرانيون فَإِنَّهُم أخذُوا السّنة من مسير الشَّمْس وشهورها من مسير الْقَمَر لتَكون أعيادهم وصيامهم على حِسَاب قمري وَتَكون مَعَ ذَلِك حافظة لأوقاتها من السّنة فكبسوا كل تسع عشرَة سنة قمرية بِسِتَّة أشهر وَوَافَقَهُمْ النَّصَارَى فِي صومهم وَبَعض أعيادهم لِأَن مدَار أَمرهم على نسخ الْيَهُود وخالفوهم فِي الشُّهُور إِلَى مَذْهَب الرّوم والسريانيين
وَكَانَت الْعَرَب فِي جهالتها تنظر إِلَى فضل مَا بَين سنتهمْ وَسنة الْقَمَر وَهُوَ عشرَة أَيَّام وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ سَاعَة وَخمْس سَاعَة فيلحقون ذَلِك بهَا شهرا كلما تمّ مِنْهَا مَا يَسْتَوْفِي أَيَّام شهر وَلَكنهُمْ كَانُوا يعْملُونَ على أَنه عشرَة أَيَّام وَعِشْرُونَ سَاعَة وَكَانَ يتَوَلَّى ذَلِك النسأة من بني كنَانَة المعرفون بالقلامس واحدهم قلمس وَهُوَ الْبَحْر الغزير وَهُوَ أَبُو ثُمَامَة جُنَادَة بن عَوْف بن أُميَّة بن قلع وَأول من فعل ذَلِك مِنْهُم حُذَيْفَة بن عبد فقيم وَآخر من فعله أَبُو ثُمَامَة
1 / 15
واخذ الْعَرَب الكبس من الْيَهُود قبل مَجِيء دين الْإِسْلَام بِنَحْوِ مِائَتي سنة وَكَانُوا يكبسون فِي كل أَربع وَعشْرين سنة تِسْعَة أشهر حَتَّى تبقى أشهر السّنة ثَابِتَة مَعَ الْأَزْمِنَة على حَالَة وَاحِدَة لَا تتأخر عَن أَوْقَاتهَا وَلَا وَلَا تتقدم إِلَى أَن حج رَسُول الله ﷺ وَأنزل الله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله فيحلوا مَا حرم الله زين لَهُم سوء أَعْمَالهم وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين﴾ فَخَطب ﷺ إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كهيأة يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض فَبَطل النسىء وزالت شهور الْعَرَب عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ وَصَارَت أسماؤها غير دَالَّة على مَعَانِيهَا
وَأما أهل الْهِنْد فَإِنَّهُم يستعملون رُؤْيَة الْأَهِلّة فِي شهورهم ويكبسون كل تِسْعمائَة سنة وَسبعين يَوْمًا بِشَهْر قمري ويجعلون ابْتِدَاء تاريخهم اتِّفَاق اجْتِمَاع فِي أول دقيقة من برج مَا وَأكْثر طَلَبهمْ لهَذَا الإجتماع أَن يتَّفق فِي إِحْدَى نقطي الاعتدالين ويسمون السّنة الكبيسة بذمات فَهَذِهِ آراء الخليقة فِي السّنة
ذكر الْأَيَّام
الْيَوْم عبارَة عَن عود الشَّمْس بدوران الْكل إِلَى دَائِرَة قد فرضت وَقد اخْتلف فِيهِ فَجعله الْعَرَب من غرُوب الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا من الْغَد وَمن أجل أَن شهور الْعَرَب مبينَة على مسير الْقَمَر وأوائلها مُقَيّدَة بِرُؤْيَة الْهلَال والهلال يرى لدن غرُوب الشَّمْس صَارَت اللَّيْلَة عِنْدهم قبل النَّهَار
وَعند الْفرس وَالروم الْيَوْم بليلة من طُلُوع الشَّمْس بارزة من أفق الْمشرق إِلَى وَقت طُلُوعهَا من الْغَد فَصَارَ النَّهَار عِنْدهم قبل اللَّيْل وَاحْتَجُّوا على قَوْلهم بِأَن النُّور وجود والظلمة عدم وَالْحَرَكَة تغلب على السّكُون لِأَنَّهَا وجود لَا عدم وَلَا حَيَاة وَلَا موت وَالسَّمَاء أفضل من الأَرْض وَالْعَامِل الشَّاب أصح وَالْمَاء الْجَارِي لَا يقبل عفونة كالراكد وَاحْتج
1 / 16
الْآخرُونَ بِأَن الظلمَة أقدم من النُّور والنور طَار عَلَيْهَا فالإقدام يبْدَأ بِهِ وغلبوا السّكُون على الْحَرَكَة بِإِضَافَة الرَّاحَة والدعة إِلَيْهِ وَقَالُوا الْحَرَكَة إِنَّمَا هِيَ الْحَاجة والضرورة والتعب نتيجة الْحَرَكَة والسكون إِذا دَامَ فِي استقصاآت مُدَّة لم يُولد فَسَادًا فَإِذا دَامَت الْحَرَكَة فِي الإستقصاآت واستحكمت أفسدت وَذَلِكَ كالزلازل والعواصف والأمواج وَشبههَا
وَعند أَصْحَاب التنجيم أَن الْيَوْم بليلة من موافاة الشَّمْس فلك نصف النَّهَار إِلَى موافاتها إِيَّاه فِي الْغَد وَذَلِكَ من وَقت الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر وبنوا على ذَلِك حِسَاب أزياجهم وَبَعْضهمْ ابْتَدَأَ بِالْيَوْمِ من نصف اللَّيْل وَهُوَ صَاحب زيج شهربار أز انساه وَهَذَا هُوَ حد الْيَوْم على الْإِطْلَاق إِذا اشْترط اللَّيْلَة فِي التَّرْكِيب فَأَما على التَّفْصِيل فاليوم بِانْفِرَادِهِ وَالنَّهَار بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ من طُلُوع جرم الشَّمْس إِلَى غرُوب جرمها وَاللَّيْل خلاف ذَلِك وَعَكسه وحد بَعضهم أول النَّهَار بِطُلُوع الْفجْر وَآخره بغروب الشَّمْس لقَوْله تَعَالَى ﴿وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل﴾ وَقَالَ هَذَانِ الحدان هما طرفا النَّهَار
وعورض بِأَن الْآيَة إِنَّمَا فِيهَا بَيَان طرفِي الصَّوْم لَا تَعْرِيف أول النَّهَار وَبِأَن الشَّفق من جِهَة الْمغرب نَظِير الْفجْر من جِهَة الْمشرق وهما متساويان فِي الْعلَّة فَلَو كَانَ طُلُوع الْفجْر أول النَّهَار لَكَانَ غرُوب الشَّفق آخِره وَقد الْتزم ذَلِك بعض الشِّيعَة فَنَقُول تَارِيخ القبط يعرف عِنْد نَصَارَى مصر الْآن بتاريخ الشُّهَدَاء ويسميه بَعضهم تَارِيخ دقلطيانوس وَهُوَ أحد مُلُوك الرّوم المعروفه بالقياصرة ملك فِي منتصف سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة من سني الْإِسْكَنْدَر وَكَانَت أَيَّامه شنعة قتل فِيهَا من أَصْنَاف الْأُمَم وَهدم من بيُوت الْعِبَادَات مَا لَا يدْخل تَحت حصر وَكَانَ بَين يَوْم الْجُمُعَة أول يَوْم من تَارِيخ دقلطيانوس وَبَين يَوْم الْخَمِيس أول يَوْم من سنة الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة ثَلَاثمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ سنة قمرية وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَجعلُوا شهور السّنة الْقبْطِيَّة اثْنَي عشر شهرا كل شهر
1 / 17
مِنْهَا عددة ثَلَاثُونَ يَوْمًا سَوَاء فَإِذا تمت الْأَشْهر الإثنا عشر أتبعوها بِخَمْسَة أَيَّام زِيَادَة على عدد أَيَّامهَا وسمو هَذِه الْخَمْسَة أَبُو عمنَا وتعرف الْيَوْم بأيام النسىء فَيكون الْحَال فِي النسىء على ذَلِك وَثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات فَإِذا كَانَ فِي السّنة الرَّابِعَة جعلُوا النسيء ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات كل سنة ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالرَّابِعَة يصير عَددهَا ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَيرجع حكم سنتهمْ إِلَى حكم سنة اليونانين بِأَن تصير سنتهمْ الْوُسْطَى ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَربع يَوْم إِلَّا أَن الكبس يخْتَلف فَإِذا كَانَ كبس القبط فِي سنة كَانَ كبس اليونانين فِي السّنة الدَّاخِلَة وَأَسْمَاء شهور القبط توت بَابه هتور كيهك طوبه امشير برمهات برموده بشنش بودنة ابيب مسرى فَهَذِهِ اثْنَا عشر شهرا كل شهر مِنْهَا عدده ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِذا كَانَت عدَّة شهر مسرى وَهُوَ الشَّهْر الثَّانِي عشر زادوا أَيَّام النسىء بعد ذَلِك وَعمِلُوا النوروز أول يَوْم من شهر توت
ذكر أسابيع الْأَيَّام
أعلم أَن القدماء من الْفرس والصغد وقبط مصر الأول لم يَكُونُوا يستعملون الأسابيع من الْأَيَّام فِي الشُّهُور وَأول من استعملها أهل الْجَانِب الغربي من الأَرْض لَا سِيمَا أهل الشَّام وَمَا حواليه من أجل ظُهُور الْأَنْبِيَاء ﵈ فِيمَا هُنَالك وأخبارهم عَن الْأُسْبُوع الأول وبدء الْعَالم فِيهِ وَأَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام من الْأُسْبُوع الأول وبدء الْعَالم فِيهِ وَأَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام من الْأُسْبُوع ثمَّ انْتَشَر ذَلِك مِنْهُم فِي سَائِر الْأُمَم وَاسْتَعْملهُ الْعَرَب العاربة بِسَبَب تجاور دِيَارهمْ وديار أهل الشَّام فَإِنَّهُم كَانُوا قبل تحولهم إِلَى الْيمن بِبَابِل وَعِنْدهم أَخْبَار نوح ﵇
ثمَّ بعث الله تَعَالَى إِلَيْهِم هودا ثمَّ صَالحا ﵉ وَانْزِلْ فيهم إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن وَابْنه اسماعيل ﵉ فتعرب اسماعيل وَكَانَت القبط الأول تسْتَعْمل أَسمَاء الْأَيَّام الثَّلَاثِينَ من كل شهر فتجعل لكل يَوْم مِنْهَا اسْما كَمَا هُوَ الْعَمَل فِي تَارِيخ الْفرس
1 / 18
ومازالت القبط على هَذَا إِلَى أَن ملك مصر اغشطش بن بوحس فَأَرَادَ أَن يحملهم على كبس السنين ليوافقوا الرّوم أبدا فِيهَا فوجدوا الْبَاقِي حِينَئِذٍ إِلَى تَمام السّنة الكبيسة الْكُبْرَى خمس سِنِين فانتظر حَتَّى مضى من ملكه خمس سِنِين ثمَّ حملهمْ على كبس الشُّهُور فِي كل أَربع سِنِين بِيَوْم كَمَا تفعل الرّوم فَترك القبط من حِينَئِذٍ اسْتِعْمَال أَسمَاء الْأَيَّام الثَّلَاثِينَ لاحتياجهم فِي يَوْم الكبس إِلَى إسم يَخُصُّهُ
وانقرض بعد ذَلِك مستعملوا أَسمَاء الْأَيَّام الثَّلَاثِينَ من أهل مصر والعارفون بهَا وَلم يبْق لَهَا ذكر يعرف فِي الْعَالم بَين النَّاس بل دثرت كَمَا دثر غَيرهَا من أَسمَاء الرسوم الْقَدِيمَة والعادات الأول ﴿سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل﴾ وَكَانَت أَسمَاء شهور القبط فِي الزَّمن الْقَدِيم توت بودني أنور سواق طُوبَى ماكير فامينوت برموتي ماجون ياوني افيعي أبقيا وكل شهر مِنْهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلكُل يَوْم اسْم يَخُصُّهُ ثمَّ أحدث بعض رُؤَسَاء القبط بعد استعمالهم الكبس الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ الْيَوْم متداولة بَين النَّاس بِمصْر إِلَّا أَن من النَّاس من يُسمى كيهك كياك وَيَقُول فِي برهمات برمهوت وَفِي بشنس بشاش وَفِي مسرى ماسوري وَمن النَّاس من يُسَمِّي الْخَمْسَة الْأَيَّام الزَّائِدَة أَيَّام النسىء وَمِنْهُم من يسميها أَبُو عمنَا وَمعنى ذَلِك الشَّهْر الصَّغِير وَهِي كَمَا تقدم تلْحق فِي آخر مسرى وَفِيه يزْدَاد الْيَوْم الكبيس فَيكون سِتَّة أَيَّام حِينَئِذٍ ويسمون السّنة الكبيسة النقط وَمَعْنَاهُ الْعَلامَة من خرافات القبط أَن شهورهم هِيَ شهور سني نوح وشيث وآدَم مُنْذُ ابْتِدَاء الْعَالم وَإِنَّهَا لم تزل على ذَلِك إِلَى أَن خرج مُوسَى ببني اسرائيل من مصر فعملوا أول سنتهمْ خَامِس عشر نيسان كَمَا أمروا بِهِ فِي التَّوْرَاة إِلَى أَن نقل الْإِسْكَنْدَر رَأس سنتهمْ إِلَى أول تشرين
وَكَذَلِكَ المصريون نقل بعض مُلُوكهمْ أول سنتهمْ إِلَى أول يَوْم من ملكه فَصَارَ أول توت عِنْدهم يتَقَدَّم أول يَوْم خلق فِيهِ الْعَالم بمائتين وَثَمَانِية أَيَّام أَولهَا يَوْم الثُّلَاثَاء وَآخِرهَا يَوْم السبت
1 / 19
وَكَانَ توت أَوله فِي ذَلِك الْوَقْت يَوْم الْأَحَد وَهُوَ أول يَوْم خلق الله فِيهِ الْعَالم الَّذِي يُقَال لَهُ الْآن تَاسِع عشري برمهات وَذَلِكَ أَن أول من ملك على الأَرْض بعد الطوفان نمْرُود بن كنعان بن حَازِم بن نوح فعمر بابل وَهُوَ أَبُو الكلدانيين وَملك بَنو مصر أيم بن حام بن نوح ﵇ متش فَبنى منف بِمصْر على النّيل وسماها باسم جده مصر أيم وَهُوَ ثَانِي ملك ملك على الأَرْض وَهَذَانِ الْملكَانِ استعملا تَارِيخ جدهما نوح ﵇ واستن بسنتهم من جَاءَ بعدهمْ حَتَّى تَغَيَّرت كَمَا تقدم
قَالَ المقريزي فِي الخطط فِي ذكر تَحْويل السّنة الخراجية الْقبْطِيَّة إِلَى السّنة الْهِلَالِيَّة الْعَرَبيَّة إِنِّي قد استخرجت حِسَاب السنين الشمسية والسنين القمرية من الْقُرْآن الْكَرِيم بَعْدَمَا عرضته على أَصْحَاب التَّفْسِير فَذكرُوا أَنه لم يَأْتِ فِيهِ شَيْء من الْأَثر فَكَانَ ذَلِك أوكد فِي لطف استخراجي وَهُوَ أَن الله تَعَالَى قَالَ فِي سُورَة الْكَهْف ﴿وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا﴾ فَلم أجد أحدا من الْمُفَسّرين عرف معنى قَوْله ﴿وازدادوا تسعا﴾ وَإِنَّمَا خَاطب الله ﷿ نبيه ﷺ بِكَلَام الْعَرَب وَمَا تعرفه من الْحساب فَمَعْنَى هَذَا التسع أَن الثلاثمائة كَانَت شمسية بِحِسَاب الْعَجم وَمن كَانَ لَا يعرف السنين القمرية فَإِذا أضيف إِلَى الثلاثمائة القمرية زِيَادَة التسع كَانَت سِنِين شمسية صَحِيحَة
تَارِيخ الْعَرَب
فَإِنَّهُ لم يزل فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام يعْمل بشهور الْأَهِلّة وعدة شهور السّنة عِنْدهم اثْنَا عشر شهرا إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي أسمائها فَكَانَت الْعَرَب العاربة تسميها ناتق ونقيل وطليق وأسخ وأنخ وحلك وكسح وزاهر ونوط وحرف ويغش فناتق هُوَ الْمحرم ونقيل هُوَ صفر وَهَكَذَا مَا بعده على سرد الشُّهُور وَكَانَت ثَمُود تسميها مُوجب وموجر ومورد
1 / 20
وملزم ومصدر وهوبر وهوبل وموها وودمير ودابر وحيقل ومسيل فموجب هُوَ الْمحرم وموجر صفر إِلَّا أَنهم كَانُوا يبدأون بالشهور من ديمر وَهُوَ شهر رَمَضَان فَيكون أول شهور السّنة عِنْدهم
ثمَّ كَانَت الْعَرَب تسميها بأسماء أُخْرَى وهى موتمر وناجر وخوان وصوان وحنم وزبا والأصم وعادل ووبابق وواغل وهواع وبرك
وَمعنى المؤتمر أَنه يأتمر بِكُل شَيْء مِمَّا تَأتي بِهِ السّنة من أقضيتها
وناجر من النجر وَهُوَ شدَّة الْحر
وخوان فعال من الْخِيَانَة
وصوان بِكَسْر الصَّاد وَضمّهَا فعال من الصيانة
والزبا الداهية الْعَظِيمَة المتكاثفة سمي بذلك لِكَثْرَة الْقِتَال فِيهِ وَمِنْهُم من يَقُول بعد صوان الزبا وَبعد الزبا بائدة وَبعد بائدة الْأَصَم ثمَّ واغل وباطل وعادل وَرَنَّة وبرك فالبائد من الْقِتَال إِذْ كَانَ فِيهِ يبيد كثير من النَّاس وَجرى الْمثل فَقيل الْعجب كل الْعجب بَين جُمَادَى وَرَجَب وَكَانُوا يستعجلون فِيهِ ويتوخون بُلُوغ النَّار والغارات قبل رَجَب فَإِنَّهُ شهر الْحَرَام وَيَقُولُونَ لَهُ الْأَصَم لأَنهم كَانُوا يكفون فِيهِ عَن الْقِتَال فَلَا يسمع فِيهِ صَوت سلَاح
والواغل الدَّاخِل على شرب وَلم يَدعُوهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يهجم على شهر رَمَضَان وَكَانَ يكثر فِي شهر رَمَضَان شربهم الْخمر لِأَن الَّذِي يتلوه هِيَ شهور الْحَج
وباطل هُوَ مكيال الْخمر سمي بِهِ لإفراطهم فِيهِ فِي الشّرْب وَكَثْرَة استعمالهم لذَلِك الْمِكْيَال
وَأما الْعَادِل فَهُوَ من الْعدْل لِأَنَّهُ من أشهر الْحَج وَكَانُوا يشتغلون فِيهِ عَن الْبَاطِل
1 / 21
وَأما الزبا فَلِأَن الْأَنْعَام كَانَت تزب فِيهِ لقرب النَّحْر
وَأما برك فَهُوَ لبروك الْإِبِل إِذا حضرت المنحر
وَقد رُوِيَ أَنهم كَانُوا يسمون الْمحرم مؤتمر وصفر ناجر وربيع الأول نصار وربيع الآخر خوان وجمادى الأول حمتن وجمادي الْأُخْرَى الرنة وَرَجَب الْأَصَم وَهُوَ شهر مُضر وَكَانَت الْعَرَب تصومه فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَت تمتاز فِيهِ وتمير أَهلهَا وَكَانَ يَأْمَن بغضهم بغضا فِيهِ وَيخرجُونَ إِلَى الْأَسْفَار وَلَا يخَافُونَ وَشَعْبَان عَادل ورمضان ناتق وشوال واغل وَذُو الْقعدَة هواع وَذُو الْحجَّة برك وَيُقَال فِيهِ أَيْضا أبروك وَكَانُوا يسمونه الْمَأْمُون
ثمَّ سمت الْعَرَب أشهرها بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الْآخِرَة وَرَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذي الْقعدَة وَذي الْحجَّة واشتقوا أسماءها من أُمُور اتّفق وُقُوعهَا عِنْد تَسْمِيَتهَا فالمحرم كَانُوا يحرمُونَ فِيهِ الْقِتَال وصفر كَانَت تصفر فِيهِ بُيُوتهم لخروجهم إِلَى الْغَزْو وشهرا ربيع كأنا زمن الرّبيع وشهرا جُمَادَى كَانَا يجمد فيهمَا المَاء لشدَّة الْبرد وَرَجَب الْوسط وَشَعْبَان يشعب فِيهِ الْقِتَال ورمضان من الرمضاء لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي فِيهِ القيظ وشوال تشيل فِيهِ الْإِبِل أذنابها وَذُو الْقعدَة لقعودهم فِي دُورهمْ وَذُو الْحجَّة لِأَنَّهُ شهر الْحَج وَأَنت إِذا تَأَمَّلت اشتقاق أَسمَاء شهور الْجَاهِلِيَّة أَولا ثمَّ اشتقاقها ثَانِيًا تبين ذَلِك أَن بَين التسميتين زَمَانا طَويلا فَإِن صفر فِي أَحدهمَا هُوَ صميم الحروب وَفِي الآخر رَمَضَان وَلَا يُمكن ذَلِك فِي وَقت وَاحِد أَو وَقْتَيْنِ متقاربين
وَكَانَت الْعَرَب أَولا تسْتَعْمل هَذِه الشُّهُور على نَحْو مَا يَسْتَعْمِلهُ أهل الْإِسْلَام إِمَّا بطرِيق آلهي أَو لِأَن الْعَرَب لم يكن لَهَا دراية بمراعاة حِسَاب الحركات النيرين فاحتاجت إِلَى اسْتِعْمَال مبادئ الشُّهُور لرؤية الْأَهِلّة وَجعلت زمَان الشَّهْر بِحَسب مَا يَقع بَين كل هلالين فَرُبمَا كَانَ بعض الشُّهُور تَاما أَعنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَرُبمَا كَانَ نَاقِصا أَعنِي تِسْعَة
1 / 22