El enigma de Ishtar: la deidad femenina y el origen de la religión y el mito
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Géneros
43
ففي فرنسا وأجزاء من أوروبا، كانت تشعل الحرائق في أول آحاد الصوم الكبير. وكان البادئ بإشعال الحريقة الأولى رجل وامرأة تزوجا حديثا (لأن الجذوة العشتارية تكون مشتعلة بينهما وفي أوج اتقادها، فيبادلان النار خصبا بخصب، ويمدانها بشحنتهما الخاصة). وعندما ترتفع ألسنة اللهب يقوم الناس بالرقص حول النار، ويأتون بقطعان الماشية يسوقونها بين الحرائق والدخان؛ لتحصينها ضد المرض وضمان تكاثرها، ثم يأتون بالمشاعل فيضرمون نارها من الحرائق ويطوفون بها الحقول وبين الأشجار قائلين : أعطنا ثمرا أكثر من الورق.
وفي ألمانيا والنمسا وسويسرا كان الناس في نفس المناسبة يجمعون القش والحطب، فيهيلونه كتلة ضخمة حول شجرة زان كبيرة، ثم يثبتون عارضة خشبية طويلة على الشجرة بحيث تشكل معها هيئة صليب. بعد ذلك يضرمون في هذه المجموعة النار، فإذا هب دخان الحريق نحو حقول القمح تفاءلوا خيرا بموسم جيد. وفي بعض أجزاء من تلك البلدان، كانوا يصنعون عجلة كبيرة من أغصان وأوراق الشجر اليابس (وفي ذلك رمز للقمر)، ثم يسحبونها إلى أعلى تل قريب، فيضرمون فيها النار ويتركونها تتدحرج مشتعلة نحو القرار، وكلما كان توهج العجلة كبيرا، تطلعوا إلى مواسم وفيرة.
ومن المناسبات الأخرى التي تشعل فيها النار المقدسة في أوروبا، عيد الفصح. ففي السبت تشعل الكنائس الكاثوليكية كل شموعها المطفأة من شمعة كبيرة وسط الكنيسة، هي شمعة الفصح، رمز الأم الكبرى مريم، وقد تشعل النار في فناء الكنيسة الخارجي، ويأتي الناس بأغصان من الزان أو البلوط يشعلونها من نار الفصح، ويأخذونها إلى بيوتهم فيشعلون بها نارا جديدة. أما العصي المطفئة فقد توضع في الحقول لضمان المواسم الجيدة. وفي أنحاء كثيرة من ألمانيا، تشعل الحرائق عشية الفصح على أعالي التلال، وتتبارى القرى المجاورة في إيقاد أكبر الحرائق وأكثرها توهجا وإنارة؛ لأن المسافة التي يمكن أن يرى منها نور حرائق الفصح، ستكون محصنة ضد الجفاف في العام المقبل. وفي بعض المناطق لا تشعل نار الفصح بالوسائل العادية، بل لا بد من إشعالها بحك قطعتين من الخشب، وقد تدفن بقايا الحرائق في الحقول لزيادة خصبها.
ومن المناسبات الأخرى التي تقام فيها طقوس النار المقدسة يوم الأول من أيار، وهو احتفال كبير يقام في طول أوروبا وعرضها. ولعل أوضح مثال على الطابع العشتاري لهذا الاحتفال ما كان يقوم به المزارعون في منطقة ويلز ببريطانيا. ففي عشية أول أيار، يقوم بضعة رجال بالتوجه إلى الغابة القريبة، فيحتطبون كمية من أغصان الأشجار يأتون بها إلى القرية، فيشكلون منها صلبانا صغيرة توضع حول دائرة في الوسط (نفس الدائرة والصليب اللذين رمز بهما إنسان الثقافة النيوليتية في سوريا إلى الأم الكبرى منذ الألف السابع قبل الميلاد) ثم يقوم أحد الرجال بحك قطعتين من خشب البلوط ببعضهما، فإذا اشتعلت فيهما النار، أوقد منها بقية الأغصان، وقام الناس بالرقص حول النار والقفز من فوقها، وجلبوا قطعانهم إليها.
هذا وتتعدد المناسبات التي تقام فيها الاحتفالات المشابهة، فنجد طقوس النار في يوم القديس يوحنا المعمدان في الرابع والعشرين من حزيران، وهو اليوم الذي تصل فيه الشمس أقصى مدى لها في الارتفاع. كما نجدها في عيد جميع القديسين، وفي يوم منتصف الشتاء، وكلها مناسبات لا تخفي طابعها الوثني القديم.
وقد مارس العرب في جاهليتهم طقوسا مشابهة تستهدف حث القوى الإخصابية بواسطة النار، فكانوا إذا احتبس المطر خرجوا لصلاة الاستسقاء، فأشعلوا نارا في أذناب البقر وتركوها تنحدر من قمة جبل وعر؛ اعتقادا منهم بأن تلك النار سوف تستنزل عليهم الغيث. وبينما كانت الأبقار تندفع نحو السفح في خوار وضجيج، كانوا يرفعون أصواتهم بالصلوات والأدعية.
44
وفي سوريا، مهد المسيحية الأول، ما زالت طقوس النار تقام في بعض المناسبات الدينية وخصوصا يوم عيد القديس مارجورجيوس (الذي يشكل مع ولي الله الأخضر، سيدنا الخضر، استمرارا للإله بعل ابن الأم السورية الكبرى) وعيد الصليب، حيث تندلع الحرائق الصغيرة في كل مكان احتفالا بهاتين المناسبتين.
وأخيرا، لا أدري أي رمز استلهم الفنان الفرنسي صانع تمثال الحرية العملاق المنتصب أمام مدينة نيويورك في عرض البحر، ولكن إذا أمعنا النظر إليه، ألا نرى عشتار سيدة الشعلة المقدسة مؤكدة وجودها في قلب أعتى ثقافة ذكرية بطريركية عبر التاريخ؟
Página desconocida