El enigma de Ishtar: la deidad femenina y el origen de la religión y el mito
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Géneros
إذا كانت الشمس تبدد الظلام وتمحوه، فإن القمر يتآلف معه ويتعايش معه جنبا إلى جنب. انظر إلى السماء في ليلة مقمرة، تجد ضوء القمر يلج في العتم ويتشابك معه، والعتم يعشعش في ضوء القمر ويسكن بين أجزائه؛ فالنور والظلام لا يتنافران عند سيدة القمر بل يتجاذبان وعندها يلتقيان. نحو النور تدير وجها، ونحو الظلام تدير وجهها الآخر، وفي دورة حياتها الشهرية تظهر الضدين، وتوحد بينهما من خلال تعاقب أطوارها الثلاثة: الطور المتزايد، والطور الكامل، والطور المتناقص.
يمر القمر في ثلاثة أطوار منذ ظهوره في أول الشهر وحتى اختفائه تماما في آخره؛ الطور الأول هو الفترة التي يقضيها الهلال في التزايد التدريجي والتحول من خيط رفيع إلى قرص مكتمل، والطور الثاني هو فترة القمر البدر الذي يتوسط كبد السماء بكامل استدارته وتألقه، والطور الثالث هو الفترة التي يقضيها القمر في التناقص والميلان عن كبد السماء حتى التلاشي والغوص في أعماق الظلام. وقد اعتقد الأقدمون أن بركة القمر وخصائصه الإيجابية إنما تكمن في طوره المتزايد؛ طور اكتمال النور؛ لذلك كانوا يباشرون تحضير حقولهم للموسم الزراعي، ويقومون بفلاحتها وبذرها خلال أيام القمر المتزايد، ويشرعون في كل عمل يريدون له نجاحا خلال هذه الفترة، فإذا ابتدأ القمر بالتناقص كان ذلك نذيرا بكل سوء محتمل، فكانوا يقلعون عن مباشرة الأعمال الزراعية والشروع في أي نشاط يأملون له فلاحا؛ ذلك أن الأم القمرية الواحدة، مسئولة عن القوى السالبة في الكون مسئوليتها عن القوى الموجبة، وعن الخير مسئوليتها عن الشر، وعن الحياة مسئوليتها عن الموت. وهي في طورها المتناقص قد تأخذ ما أعطته في طورها المتزايد. وعندما تختفي تماما في الأعماق ترسل عفاريت العالم الأسفل لقبض أرواح من وهبتهم الحياة. إن ديانة تؤمن بإله واحد ولا تؤمن معه بوجود إبليس يحمل عنه مسئولية الشرور في العالم، ستتوصل ولا شك إلى إيمان بوحدة النقيضين في تركيب واحد.
لقد عبرت الأعمال التشكيلية القديمة عن هذه الوجوه الثلاثة لعشتار سيدة القمر بأساليب رمزية مختلفة؛ ففي سوريا رمز الفينيقيون إلى أطوار عشتار الثلاثة، بثلاثة أعمدة متفاوتة الطول يعلوها الهلال، أو بثلاثة أعمدة يتخذ كل واحد منها هيئة صليب يعلوه هلال (الشكلان
3-6
و
3-7 ). وقد يرسم القمر على شكل دائرة تحتوي على ثلاثة أهلة، يرمز كل منها لطور من أطواره، كما هو الأمر في بعض النقوش البابلية (الشكل
3-8 ).
شكل 3-6: أطوار القمر الثلاثة - نصب فينيقي.
شكل 3-7: أطوار القمر الثلاثة - نقش فينيقي.
وعندما تحول القمر إلى إله مذكر في بلاد الرافدين تحت اسم «سن»، بقيت الأعمال التشكيلية تعبر عن وجوهه الثلاثة. ففي الشكل رقم
Página desconocida