El enigma de Ishtar: la deidad femenina y el origen de la religión y el mito
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Géneros
27
أما الفكر اليوناني فقد أطلق على المبدأ السالب اسم ال «الإيروس»، والمبدأ الموجب اسم «اللوغوس». فالإيروس هو عالم الطبيعة والرغبات والغرائز وخفايا النفس؛ أما اللوغوس فهو التسلط على الطبيعة، والمنطق، والتفكير المنظم البارد. إلى الإيروس تنتمي المرأة وإلى اللوغوس ينتمي الرجل. وفي علم النفس الحديث أطلقت المدرسة اليونغية على الطاقة الموجبة في النفس البشرية اسم «الأنيموس»، والطاقة السالبة اسم «الأنيما». فالأنيما هي الأنثى الكامنة في كل رجل، والأنيموس هو الرجل الكامن في كل امرأة.
كما يحكم إيقاع القمر حياة المرأة، فإن الرجل يحكم حياته إيقاع الشمس؛ فالشمس هي مصدر منتظم للنور والحرارة، تخضع في شروقها وغروبها لنظام وقانون دقيق؛ تشع في النهار وتختفي في الليل لتظهر ثانية في الصباح، ولا أحد يشك في شروقها التالي. أما القمر فنوره متبدل متغير، يشرق في الليل، ولكن شروقه لا يتواقت مع ابتداء الليل مثلما يتواقت شروق الشمس مع ابتداء النهار، بل يبدو أن شروقه تابع لمزاجه الخاص؛ فقد نراه مع المغيب، ثم يغوص نحو الغرب، وقد يطلع من الشرق في أوائل الليل، أو في أوسطه، أو نحو نهايته، أو لا يطلع أبدا تاركا سماءنا في ظلام، أو يظهر، ويا للغرابة، في وسط النهار مؤكدا وجوده سابحا في أرجاء السماء المملوءة بنور الشمس. إنه الأنثى المتقلبة المزاج، الغامضة الأطوار، التي تستلهم في سلوكها خصائصها الطبيعية لا قوانين التنظيمات الاجتماعية المحكمة. أما الشمس فهي الذكر، واضع القوانين وعبدها، يصوغ الغايات والأهداف المتعالية على نظام الطبيعة، ولا يخلص من ربقتها طوال حياته. الرجل نظام المجتمع، ينظر دوما نحو الأعلى، راغبا في مزيد من الإنجاز وتحقيق عظائم الأمور، أما المرأة فهي حكمة الطبيعة، تنظر دوما نحو الأرض، تنشد السعادة التي تحققها حركة الجسد في إيقاعه الطبيعي، لا حركة الذهن في إيقاعه المجرد المتعالي.
يتبع الرجل في حياته منحى ثابتا لا يكاد يتغير، تماما كمنحنى الشمس. أما المرأة فحياتها مليئة بالتغيرات الجذرية التي تبدل كيانها وتهزه، وبالمنعطفات الحاسمة التي تحمل لها تحولات أساسية لا تستطيع لها تبديلا أو عنها رجوعا. إن التغيرات التي تطرأ على جسد المرأة وروحها عند البلوغ لا تقارن، كما ونوعا، بالتغيرات التي تطرأ على الذكر، وفعل الحب الأول في حياة المرأة ليس كفعل الحب الأول في حياة الرجل؛ فهو يجعل من المرأة مخلوقا جديدا من الناحية الجسدية والنفسية، بينما لا يكاد يترك في نفس الرجل أو جسده أثرا أو علامة، يتجاوزه بثبات دون أن ينظر نحو الوراء. والمرأة قبل الحيض هي غيرها أثناءه وغيرها بعده. وهي قبل الحمل غيرها بعد الولادة. ما إن تلد المرأة حتى تغدو أما ... لا يهم إن مات ابنها أو عاش بعد ذلك، لقد صارت أما مرة واحدة وإلى الأبد، وبذرة الحياة دوما هناك، تنبض تحت القلب كما نبضت طوال تسعة أشهر. يقبل الرجل على فعل الجنس كما يقبل على أي نشاط آخر من نشاطات الحياة؛ أما المرأة فهي عذراء قبل الجنس، ولكنها أم بعده، تهب نفسها في كل مرة وكأنها المرة الأولى.
أسبقية عبادة القمر
لقد كان مشهد الليل الجليل وقبة السماء الحالكة بنجومها وشهبها ومذنباتها السابحة، من أكثر المشاهد تأثيرا في نفس الإنسان القديم. فكان الليل بالنسبة إليه هو الأصل والنهار هو الفرع. الليل هو الأزلي، والنهار هو الحادث. عن عتمة الليل القديمة، أخذ الكون بالتمايز، وعن العماء الأول ظهرت الموجودات وترتبت كما تظهر نجوم السماء في كل يوم من جوف الليل، وعن الظلمة الخافية ظهرت المرئيات الواضحة. الخلق فعل سري يسمو على الإفهام، ولذا فإنه يصدر عن الليل والظلمة، لا عن النهار والنور، والعتم هو الرحم البدئي الذي حبل بالكون وأنجبه.
بتأثير هذه النظرة القديمة، تؤكد معظم أساطير الخلق والتكوين على ظهور النشأة الأولى من لجة الظلمة الأزلية؛ ففي أسطورة التكوين البابلية، كانت تعامة هي الرحم المائي المظلم الذي نشأ عنه الكون والآلهة. وفي الأسطورة المصرية نجد «نون» العماء البدئي المظلم والرحم المائي الذي أنجب أول الآلهة «رع». وعند الكنعانيين نجد أنه في البدء لم يكن هناك سوى ريح عاصفة وخواء مظلم.
28
وفي التكوين التوراتي نجد أنه في البدء خلق الرب السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الرب يرف فوق الماء.
29
Página desconocida