El enigma de Ishtar: la deidad femenina y el origen de la religión y el mito

Firas Sawwah d. 1450 AH
231

El enigma de Ishtar: la deidad femenina y el origen de la religión y el mito

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Géneros

تقدم شخصية مارجورجيوس في التراث الشعبي المسيحي، وشخصية الخضر (= الأخضر) في التراث الشعبي الإسلامي نموذجا عن الخيال الشعبي الذي يعطي الرموز القديمة على الدوام شحنة عاطفية تجعلها مستمرة عبر الشروط المتبدلة. فبينما تحاول السلطة الكهنوتية لكل دين تحويل التاريخ الروحي للبشرية إلى قطع منفصلة ينسخ بعضها بعضا، يقوم الخيال الشعبي بدور خيط المسبحة الذي يجمع الثقافة الإنسانية بعضها إلى بعض في تتابع وتداخل ملون بديع. وهكذا استمر تموز الأخضر حيا في الثقافة المسيحية والإسلامية إلى يومنا هذا من خلال مارجورجيوس والخضر.

ففي أوروبا يحتفل الريفيون بيوم القديس مارجورجيوس، الذي يدعونه بالقديس جورج الأخضر، وذلك في الثالث والعشرين من نيسان، وهو نفس التاريخ الذي دارت حوله معظم أعياد الخصب القديمة. ففي العديد من المناطق يؤتى صباح الاحتفال بجذع شجرة، فيزين بأنواع الأزهار والأوراق الخضراء والأكاليل، ثم يحمل في موكب مرح ، وإلى جانبه يمشي شاب غض الإهاب، غطى جسمه كله بأغصان الشجر وأوراقه. حتى إذا وصل الموكب بين غناء ورقص وموسيقى إلى ضفة النهر، حمل المحتفلون الشاب ورموه إلى الماء. وفي مناطق أخرى يقطع جذع شجرة عشية يوم القديس جورج، فيزين بالطريقة السابقة نفسها ويفرش تحته ثوبان. حتى إذا جاء الصباح أتى الناس إليه، فإذا رأوا بعض الأوراق قد تساقطت على الثوبين كان في ذلك بشرى بمواسم طيبة. ثم يأتون بشاب يغطونه من قمة رأسه حتى أسفل قدميه بالأوراق والبراعم، ويأتون بقطعانهم فينثر فوقها قبضات من العشب الطري الجديد لتزداد وتتكاثر. ثم يسير الجميع إلى النهر حيث يرمى الشاب إلى الماء، أو ترمى دمية تمثل القديس جورج الأخضر. وفي بعض مناطق روسيا كانت العادة أن يخرج الكاهن مع جمهرة من الناس صبيحة يوم القديس جورج الأخضر إلى الحقول فيباركها ويتلو الدعوات من أجل مواسم طيبة. ثم يتقدم بعض الشبان والشابات ممن تزوجوا حديثا فيتدحرجون على الأرض ليمدوها بخصبهم. هذا وتكشف الأناشيد والأغاني التي يترنم بها الناس في ذلك اليوم عن جوهر القديس جورج كروح للنبات والإخصاب. تقول إحداها: أتينا ومعنا جورج الأخضر. أتينا. وإلى جانبنا جورج الأخضر. فليهبنا علفا لمواشينا، فإن لم يفعل ألقينا به إلى الماء.

105

وفي سوريا (بلاد الشام) اليوم، يحتفل الناس بعيد مارجورجيوس خصوصا في المناطق التي حافظت على طابعها الآرامي القديم كبلدة صيدنايا التي يقام فيها كل عام احتفال مشهور يتقاطر الناس للمشاركة فيه من شتى أنحاء البلاد.

إلى جانب وظائف الخصب التي تعزى إلى القديس جورج، فإن الخيال الشعبي قد حفظ في هذه الشخصية جوانب أخرى لآلهة الخصب السورية القديمة، لا سيما الإله بعل في شكله المعروف كقاهر للتنين ذي الرءوس السبعة. فالأيقونات الشرقية التي ما تزال تزين جدران البيوت في بلادنا، وجدران المتاحف في أوروبا، تظهر القديس ممتطيا جواده يخوض صراعا مميتا مع التنين متعدد الرءوس. وإلى جانب المشهد تبدو امرأة جميلة تنظر بهدوء واثق نتيجة الصراع، هي في الأصل عناة الأوغاريتية، ولكنها في رمز الأيقونة، الكنيسة التي يقاتل من أجلها القديس.

ومارجورجيوس، هو نفسه «الخضر» في التراث الشعبي الإسلامي. وكل مسلم ومسيحي يطابق بين الشخصيتين دون أن يعرف الأساس الذي تبنى عليه مثل هذه المطابقة. واسم «الخضر» بفتح الخاء وكسر الضاد، يعني الأخضر، وهو نبي حي في كل زمان ومكان، محجوب عن الأبصار إلى يوم القيامة. نراه في القصص الشعبي وروايات الإخباريين جالسا على طنفسة خضراء على وجه الماء، متشحا بثوب أخضر، ينبت العشب تحت قدميه أينما حل.

الفصل العاشر

عشتار المخلصة

لم يمر على الإنسان وقت لم يكن فيه مأخوذا بفكرة خلود الروح، والخلاص من عالم المادة إلى عالم آخر ذي طبيعة مغايرة. فقبل ظهور «الإنسان العاقل» الذي تعتبر البشرية اليوم استمرارا له، كان الإنسان النياتدرتالي الشبيه بالقرد يدفن موتاه وفق طقوس خاصة، ويضع في قبورهم بعض الطعام والشراب؛ مما يدل على اعتقاده بأن الموت ليس إلا معبرا من حالة إلى حالة ومن عالم إلى عالم. كما تقدم لنا حفريات العصور الحجرية القديمة بينات كثيرة على طقوس واعتقاد مماثل.

ويبدو أن القمر كان منذ فجر الإنسانية مركزا لمعتقد وطقس الخلود والخلاص. فالقمر الذي يجدد نفسه كل شهر في حركة دائمة، وينبعث من العالم الأسفل جديدا كلما هبط إليه، إنما يضع أمام الناس مثالا، ويهبه أملا غامضا في السير على منواله، والبعث بعد الهبوط إلى باطن الأرض. ولعلنا واجدون في معتقدات الشعوب البدائية للعصر الحديث بقية من معتقد الإنسان القديم ونظرته للقمر.

Página desconocida