قالت: سأفعل، والآن هل ستوصلني إلى باب العمارة؟
قال: إذا شئت.
وسارا في الطريق المظلم الخالي من الناس، وقد بدا أكثر اتساعا وأكثر نظافة، وأحست بأصابعه تلتف حول يديها في قوة وصدق، فهدأت نفسها واستكانت تحت ذراعيه وسارت بخطى بطيئة ناعسة كأنها في حلم لا تريد أن تصحو منه.
ولكنها سرعان ما تيقظت حين لمحت العمارة التي تسكن فيها من بعيد، وخفق قلبها وتسربت منها القوة التي أحست بها منذ قليل ونظرت إلى ساعتها، كانت الثانية صباحا، فقالت في صوت متخاذل: أظن من الأفضل ألا يراك عم عثمان معي في ذلك الوقت المتأخر.
وقال: ولكنك صممت منذ قليل على ممارسة حريتك.
قالت: نعم، ولكن لا داعي لذلك الآن، يمكنني أن أمارسها من الغد.
وضحك ضحكة خافتة حتى لا يرن صداها في سكون الليل الهاجع، وضغط على يدها وتمنى لها التوفيق ووعدها باللقاء في الغد، ثم انصرف.
وسارت وحدها في وجل تشد عضلات وجهها وجسمها وتشحذ أسلحتها كلها لمواجهة نظرة عم عثمان النارية المتشككة، ورفعت رأسها في كبرياء مصطنعة تحاول أن تخفي بها قوتها الهاربة.
ووصلت إلى باب العمارة، وسبقتها عيناها المهزوزتان إلى مكان دكة عم عثمان بجوار الباب، ورأت وهي تبتلع أنفاسها كتلة من الملابس البيضاء.
وساورها شعور غامض بأنه قد فارق الحياة، لكنها لم تدقق النظر في الكتلة البشرية لترى إذا ما كان يصدر منها أي حركة تشير إلى الحياة من قريب أو بعيد، فلم يكن يهمها في تلك اللحظة أن يكون حيا أو ميتا.
Página desconocida