Resumen Diario y Fragmentos
خلاصة اليومية والشذور
Géneros
وقال نرجس: دعينا نلتق، فسرعان ما سمع رجع كلامه بصوت مد فيه الحنان، وترنمت به الشعاب والغيران، ووثبت إليه تضمه وتعانقه فأجفل منها ومضى وهو يقول: اغربي عني! لا كنت ولا كان قلبي إن جرى بيننا الحب ...
صدمة كسرت قلب الصدى، فنادت وهي كاسفة: جرى بيننا الحب!
ثم ما زالت ينخر في قلبها الداء الدفين، ويأكل منها الكمد والأنين، حتى عادت أرق من الهواء، وبراها النحول إلا خفقة نداء، لا تلبث أن يعبث بها الفضاء.
اللؤم المكتسب
اللؤم ضربان: لؤم موروث ولؤم مكتسب، فأما اللؤم الموروث فذلك الذي لا حيلة لصاحبه فيه، ولا حيلة لمخلوق في صاحبه، وقد يتمنى اللئيم التطهر من وصمته والبراءة من شبهته، وهيهات ذلك، وأما اللؤم المكتسب فلؤم يضطر إليه بعض الأشقياء اضطرارا، لؤم رجل سالم الناس فحاربوه، وحاربهن فواربوه، وبسط إليهم راحة الأمان فضربوه عليها، وصرح لهم عن سويداء قلبه فوخزوه فيه، فتعلم من الناس أن يقف منهم موقف المحارب الحذر، يراوغهم في أمره ويكتم عنهم مواطن قوته، ثم يفتش عن مواطن ضعفهم ويتجسس على المغامز في صفوفهم، أفهموه أن ما هم فيه حرب لا سلم، ومخاتلة لا مجاملة، وغش ولا نصيحة؛ فعمد إلى نفسه أولا فأخفاها وراء سور من الرياء كما يخفي المقاتل نفسه وعدته وراء سور حصنه، ثم عمد إلى مقاتليه فدبر كيف يصرعهم، ومن أين يبتدرهم، إذا ابتسم له مبتسم تفقد قلبه هل فيه مطعن مكشوف أو ثلمة مطروقة وتعهد جوارحه لئلا تضطرب عند المجادلة أو تؤخذ على غرة، ويعود فيرد تلك الابتسامة بمثلها ويجزي على ابتسام بابتسام، وإذا بكى بين يديه باك أسرع إلى قلبه فأضفى عليه الدرع واجتهد أن تكون أصفق دروعه وأمتنها لئلا يكون ذلك البكاء خدعة من خدع الحرب، فإذا تثبت من قلبه وتهيأ لمقابلة العدوان بمثله رجع إلى ذلك الباكي فإما بطش به أو كان أكثر من ذلك لؤما فيصافحه، ولكن بعد أن يجرده من كل سلاحه وبعد أن يقلم أظفاره وينزع شكته ويتركه، ولو شاء أن يخدش نفسه فضلا عن أن يخدشه لما استطاع؛ فهو بعد ذلك أسيره الذي يطيع إشاراته ويسخره في قضاء حاجاته، لا صنيعته الذي يحسن إليه ويرفه عنه، وقديما سمى الناس المحسن آسرا والمحسن إليه أسيرا، وهم في هذه التسمية ما تعدوا الحقيقة قيد أنملة إلى المجاز.
واللؤم المكتسب هو لؤم من صدق الناس فكذبوه ووفى لهم فخونوه، وعمل لخيرهم فأضروه، وأحب أن يبادلهم النفع فلم يقنعوا بما دون استنزافه وامتصاصه، ولم يرضخوا له إلا عن أيسر ما لديهم وأهونه عليهم، ويرضخوا له عن هذا اليسير الهين وهم قادرون على جحده والمماطلة فيه، ورآهم يصدقون من يكذبهم ويأتمنون من يخونهم ويخدمون من يؤذيهم، ولا يشترطون عليه في نظير هذا التجاوز العظيم في هذه الصفقة الربيحة إلا أن يكون خداعا ماكرا ودساسا لئيما، فعلم أن هاته السوق أربح من تلك وأسهل في الممارسة، ورأى أن الناس كما يزدرون الرذيلة التي لا يحميها أحد كذلك يزدرون الفضيلة التي لا يحميها أحد، فعلم أنهم ما أحبوا الفضيلة ولا كرهوا الرذيلة، ولكنهم يخافون كلا منهما حين يكون مخيفا ويزدرونه حين يكون عزلا ليس عنده ما يخافون، ووجد الفضيلة أوعر مسلكا؛ لأنها غريبة، والرذيلة ممهدة الطريق؛ لأنها كثيرة الأمثال والأشباه، فتنكب الأوعر إلى الأسهل وألقى بدلوه في الدلاء.
رأى ما رأى، وعلم ما علم ثم وقف وقفة يحاسب نفسه، فأيقن أنه لن يصلح الناس، وأنه بين أن يعتزلهم إذا قدر فيكون دينه له ودينهم لهم، أو يصحبهم فيعاملهم بالسكة التي يقبلونها ما دامت كل سكة غيرها زائفة في نظرهم، وما دام الخيرون في هذه الأرض كالجن لا يظهرون لكل إنسان.
وإن للؤماء عادة ألا يبوحون بأسباب لؤمهم ولا يحاولون التنصل مما يرمون به؛ لأن الناس لا يصدقونهم ولا فائدة لهم من تصديقهم إياهم؛ فلذلك يتهمهم الناس بالحق والباطل، ويقبلون فيهم كل ما يقال عنهم، ومتى رأى الناس رجلا يسيء الاعتقاد بهم جميعا لم يسمعوا له قولا في واحد منهم، وقالوا: ذاك ديدنه في التبرم، وتلك شنشنة له في التجني، فيصدقون شكوى الشاكين منه ولا يصدقون شكواه في أحد، ويأبون أن ينصفوه وإن كان مغبونا، فيتسع بينه وبينهم مجال التهم وتقطع بينهم قلة الإنصاف:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم
Página desconocida