El discurso y el cambio social
الخطاب والتغير الاجتماعي
Géneros
فإذا ركزنا على النوع باعتباره نمطا نصيا، وجدنا أن كل نوع محدد يرتبط ب «بناء تكويني» محدد ، حسبما يدعوه باختين (1986م، 60) أو - بالمصطلح الذي سوف أستخدمه - ب «نمط نشاط معين» (وهي فئة أستعيرها من لفنسون 1979م). ويمكن تعريف نمط النشاط من حيث التتابع البنائي للأفعال التي يتكون منها، ومن حيث المشاركون في هذا النشاط، أي في مجموعة مواقع الذات التي يشكلها المجتمع ويعترف بها فيما يتعلق بهذا النمط من النشاط. فعلى سبيل المثال، نرى أن النشاط الخاص بشراء سلع من دكان الخضراواتي يشارك فيه «الزبون» و«عامل المبيعات» باعتبارهما من أنماط الذوات، وسلسلة من الأفعال، بعضها اختياري أو متكرر على النحو التالي: الزبون يدخل المحل وينتظر دوره، العامل يحيي الزبون (فيرد الزبون التحية ويتبادلان كلمات ودودة) ثم يسأل الزبون عما يريد؛ يحدد الزبون ما يريد شراءه (وربما يسبق هذا حديث عابر مثل «ما أحوال التفاح هذا الأسبوع؟» ويجيء الرد «النوع الأخضر ممتاز»)؛ يأتي العامل بالمطلوب (يزن التفاح ويضعه في الكيس ... إلخ) ويعطيه للزبون (وربما يتناقش الزبون مع العامل حول جودة التفاح أو حول زيادة وزن الكمية ... إلخ)؛ الزبون يشكر العامل، العامل يذكر السعر، الزبون يدفع، العامل يعطي الباقي للزبون ويشكره، الزبون يشكر العامل ويحييه مودعا؛ العامل يرد التحية. وكما يبين هذا المثال، نجد أن نمط النشاط كثيرا ما يضع حدودا لنطاق الخيارات الممكنة ولا يحدد نسقا معينا. انظر ما تقوله رقية حسن في هاليداي وحسن (1985م) حيث تقدم رأيا في النوع يؤكد البناء التكويني.
ويرتبط النوع عادة بأسلوب معين، وإن كان من الممكن في حالات كثيرة أن تتخذ أساليب بديلة، فمن الجائز أن تكون المقابلة الشخصية «رسمية» أو «غير رسمية». ومصطلح الأسلوب، مثل سائر المصطلحات التي أستخدمها، يصعب تحديده بدقة، كما إنه يستخدم بطرائق متفاوتة. ولنا أن نعتبر أن الأسلوب يتغير من زاوية معايير ثلاثة: أولها «المدلول»، والثاني «الصورة»، والثالث الشكل البلاغي للنص، إذا استخدمنا مصطلحات علم اللغة المنهجي (هاليداي، 1978م). فالأساليب تختلف، أولا، من حيث «المدلول» (أو الفحوى) والمقصود به نوع العلاقة القائمة بين المشاركين في أي تفاعل. ووفقا لذلك نستطيع تصنيف الأساليب من حيث كونها «رسمية» أو «غير رسمية» أو «حكومية» أو «حميمة» أو «عارضة» وهلم جرا. ونستطيع تصنيفها، ثانيا، من حيث «الصورة» أي إن كانت مكتوبة أو منطوقة أو تجمع بين هذا وذاك (كأن تكون مكتوبة بغرض الإلقاء، أو مكتوبة كأنما هي منطوقة، أو منطوقة كأنما هي مكتوبة). وهكذا نستطيع تصنيف الأساليب باعتبارها منطوقة أو مكتوبة أو منطوقة كأنما هي مكتوبة وهلم جرا. ولنا أن نستخدم أيضا مصطلحات تعبر من جانب معين عن «الصورة»، وأيضا عن المدلول أو النوع أو الخطاب، مثل «أسلوب المحادثة»، و«الأسلوب الرسمي المكتوب»، و«الأسلوب غير الرسمي المكتوب»، و«الأسلوب الأكاديمي»، أو «الأسلوب الصحفي» وهلم جرا. وتختلف الأساليب، ثالثا، من حيث الشكل البلاغي، ويمكن تصنيفها وفق مقصدها من «إقامة الحجة» (أسلوب التحاج) أو «الوصف» أو «العرض الشارح».
وأما أكثر أنماط العناصر استقلالا (بخلاف النوع) فهو «الخطاب» (انظر كريس، 1988م؛ وكريس وثريدجولد، 1988م، حيث تناقش العلاقة بين «النوع» و«الخطاب»)، وتتفق ضروب الخطاب بصفة عامة مع أبعاد النصوص التي تناقش تقليديا من حيث «المضمون»، و«المعاني الفكرية»، و«الموضوع»، و«المادة» وهلم جرا. ولدي سبب وجيه يبرر استخدامي «الخطاب» بدلا من هذه المصطلحات التقليدية؛ إذ إن الخطاب طريقة معينة من طرائق بناء المادة، ويختلف مفهومه عن مفاهيم المصطلحات السابقة في أنه يؤكد أن خيوط المضمون أو موضوع المادة - وهي مجالات معرفية - لا تدخل النصوص إلا في شكل وسيط يتجسد في أبنيتها الخاصة. ومن المفيد في هذا الصدد اختيار مصطلحات لضروب الخطاب المحددة بحيث تشير إلى المجال المعرفي الخاص بالخطاب، وأيضا إلى الطريقة الخاصة التي يبنى بها، كأن نقول مثلا «الخطاب الطبي العلمي - التقني» (أي الطب باعتباره مجالا معرفيا مبنيا من منظور علمي تكنولوجي، على عكس ضروب الخطاب المرتبطة بشتى ألوان الطب «البديلة»)، أو أن نقول «ضروب الخطاب النسوي الخاص بالحياة الجنسية» (أي الحياة الجنسية باعتبارها مجالا معرفيا مبنيا من وجهات النظر النسوية). وضروب الخطاب بهذا المعنى قضية رئيسية عند فوكوه (انظر الفصل الثاني عاليه). وكما ذكرت آنفا، تتمتع ضروب الخطاب باستقلال أكبر من أنماط العناصر الأخرى؛ أي إنه على الرغم من وجود قيود مهمة وقواعد توافق بين «أنواع» معينة وضروب خطاب محددة، فإن الخطاب - مثل الخطاب الطبي العلمي التقني - يرتبط معياريا ب «أنواع» مختلفة (المقالات العلمية، المحاضرات، الاستشارات وهلم جرا) ويمكن أن يظهر في شتى «الأنواع» الأخرى (المحادثات، وبرامج النقاش التليفزيونية، بل وفي الشعر أيضا).
وترتبط «أنواع» معينة بطرائق خاصة للتناص (السافر)؛ إذ تختلف اختلافا تاما، على سبيل المثال، طرائق التمثيل الخطابي ووظائفه ومرات وروده في التقرير الإخباري عنها في الحديث الودي أو في المقال العلمي. وهكذا تنشأ طرائق متضادة وممارسات مختلفة للتمثيل الخطابي في الأنواع المختلفة من الأنشطة الاجتماعية وفقا لما يكتسبه خطاب الآخرين من دلالات وقيم متفاوتة. فعلى سبيل المثال لا يتوقع أحد أن يكون المحضر الحرفي للأقوال في محادثة ما، أو حتى في قاعة محكمة، ملتزما بالألفاظ التزاما تاما، على عكس ما نراه عندما يرد مقتطف من بحث علمي في سياق بحث آخر. أضف إلى هذا أن بعض صور تمثيل كلام الآخرين في محادثة ما كثيرا ما تحاول تقديم بعض جوانب الأسلوب الذي قيل به ذلك الكلام، وإن كان ذلك نادرا في التقارير الإخبارية. ونقول بصفة أعم: إن درجة ظهور نصوص أخرى في نص ما تعتمد على النوع، مثلما تعتمد عليه أشكال التناص السافر المستعملة وأساليب عمل النصوص الأخرى داخل أحد النصوص.
فلأحاول الآن إيضاح مجموعة أنماط العناصر المذكورة فيما يتعلق بالعينة الأولى الواردة أعلاه. النوع تقرير إخباري، وربما يتضمن أيضا نوعا فرعيا هو التقرير الإخباري في الصحف الشعبية، وهو يتضمن تشكيلا من أساليب مختلفة تنتمي لأنواع فرعية أخرى (انظر أدناه). ونمط النشاط ينشئ موقعين من مواقع الذات: موقع مقدم الخبر (وهو المؤلف المفرد الخيالي للتقرير، ما دامت هذه التقارير تنتج إنتاجا جماعيا) وموقع متلقي الخبر (أي القارئ). وهو يتضمن البناء التتابعي التالي: العناوين (عنوانان في هذه الحالة) حيث فحوى الموضوع؛ والملخص (فقرتان استهلاليتان) تتضمنان صورة أكبر قليلا لفحوى الموضوع، التفاصيل (فقرتان أخريان)، التطوير (سائر الخبر باستثناء الفقرة الأخيرة ذات العنوان الفرعي «الأرباح») وهو ما يشير إلى الإجراءات التي ينبغي اتخاذها (للاطلاع على بناء المواد الخبرية انظر فان دييك، 1988م). ومن الجدير بالذكر أيضا أن بناء الموضوع يقوم على تقديم حل للأزمة؛ فالعنوان وجانب كبير من التقرير يعرضان الأزمة، والفقرة الختامية القصيرة تقدم الحل.
ويتسم التقرير بالتركيب فيما يتعلق بالأسلوب، فلنبدأ بالطريقة البلاغية، وهي تقديم المعلومات. ولنقل بمزيد من الدقة: إن النص يبني صورة مقدم الخبر باعتباره مصدرا للمعرفة والمعلومات، وصورة القارئ باعتباره المتلقي السلبي لها، ويتكون التقرير من مقولات قطعية مطلقة من النوع الذي عادة ما تنشره الصحف عن الأحداث، على الرغم من أن تلك الأحداث عادة ما تكون غير مؤكدة وتقبل شتى التفسيرات. ومن المهم في هذه الحالة أن ننظر كيف ترتبط الطريقة البلاغية بأبعاد الأسلوب المبنية على المدلول وعلى الشكل. فالأسلوب «عامي» من حيث المدلول، فالكتاب يحاكون كلام العامة، كما سبق أن ذكرت، كأنما كانت العلاقة بين مقدمي الأخبار ومتلقيها علاقة تناظر وعلاقة «عالم الحياة» (بالمعنى لدى هابرماس، 1984م). والأسلوب من النوع «المنطوق» ويشبه أسلوب المحادثة. وهذا التشكيل الأسلوبي يبدو متناقضا؛ لأن الطريقة البلاغية تنشئ مواقع غير متناظرة للذات، وتوحي بالملامح «الرسمية» للكتابة في المؤسسات العامة، وهي التي تتناقض مع العناصر غير الرسمية لأسلوب المحادثة في عالم الحياة.
وفي التقرير خطاب معين يلفت الأنظار إليه بصورة خاصة، وهو ما يمكن أن نصفه بأنه خطاب تجريم يكتسي طابعا عسكريا، وهو مبني على الاستعارة التي تقول: إن المجرمين «يحاربون» المجتمع، وعلى المجتمع «تعبئة قواته» لصدهم وقهرهم، ولكن هذا الخطاب والاستعارة يرتبطان في هذا التقرير بمطلب التعبئة العامة بالمعنى الحرفي، أي دعوة القوات المسلحة إلى القضاء على تجار المخدرات، وهو ما يؤدي إلى التباس المعنى في الجملة الافتتاحية: فهل تتوقع صحيفة
ذا صن
نشوب معركة حقيقية هنا؟
التناص والتحولات
Página desconocida