El discurso y el cambio social
الخطاب والتغير الاجتماعي
Géneros
وسوف نجد داخل «مجال الأقوال» الخاص بأي تشكيل خطابي علاقات ذات أبعاد شتى، ومن بينها العلاقة القائمة بين الأقوال الواردة في نص مفرد، مثل علاقات التتابع والتبعية. ويشير فوكوه إلى «شتى النظم البلاغية التي تربط ما بين مجموعات الأقوال (أي كيف ترتبط الأوصاف والاستنتاجات والتعريفات التي يحدد تتابعها بناء نص من النصوص)» بطرائق تعتمد على التشكيل الخطابي (1972م، 57). وقد بحثت أمثال هذه العلاقات الداخلية في النصوص في الآونة الأخيرة في إطار اللغويات النصية. ومن بين العلاقات الأخرى العلاقات ما بين خطاب وخطاب؛ إذ قد تتناول العلاقات القائمة بين التشكيلات الخطابية المختلفة أو بين النصوص المختلفة، ويمكن التمييز بينها استنادا إلى انتمائها، إما إلى «الحضور»، أو «الاقتران» أو «الذاكرة». ويعرف فوكوه مجال الحضور قائلا: إنه «جميع الأقوال التي صيغت في غير هذا المكان، وأدخلت في الخطاب، واعترف بأنها صادقة، أو تتسم بدقة الوصف، أو الاستدلال العقلاني السليم، أو القيام على الافتراضات السابقة اللازمة»، وكذلك الأقوال «التي انتقدت، أو نوقشت، أو بت في أمرها ... أو رفضت أو استبعدت» (ص57-58). سواء كان ذلك صراحة أو ضمنا. وأما مجال الاقتران فيتكون بصفة خاصة من أقوال من تشكيلات خطابية مختلفة، وترتبط بقضية العلاقات بين التشكيلات الخطابية. وأخيرا يتكون مجال الذاكرة من أقوال «لم تعد مقبولة أو تناقش»، ويمكن أن تقام بينها «علاقات النسب والنشأة، والتحويل، والاستمرار، والانقطاع التاريخي» (ص98-99). ويضيف فوكوه إلى هذه العلاقات ما يسميه «علاقة القول» إلى «كل التشكيلات التي يحدد القول إمكان وجودها في المستقبل»، ويشارك القول مكانتها (كأن تكون أدبا على سبيل المثال).
ويلخص فوكوه هذا المنظور في الزعم القائل بأنه «من المحال أن يوجد قول لا يعيد بصورة ما تمثيل ما جاء في أقوال أخرى» (1972م، 98). ويذكرنا ما يقوله عن العلاقات بين الأقوال بكتابات باختين عن النوع الأدبي والحوارية (1981م، 1986م) وهو ما قدمته كريستيفا إلى الجماهير الغربية بمفهوم التناص (1986م، أ، 37)، وكما ذكرت عاليه، يتخذ بيشوه منظورا مماثلا بأن يمنح الأولوية للمركب الخطابي في نظريته عن الخطاب. وعلى الرغم من أن تمييز فوكوه بين شتى أنماط العلاقة ليس واضحا على الدوام، فإن ما يقدمه هنا أساس للبحث المنتظم في العلاقات داخل النصوص وأنماط الخطاب وفيما بينها. وسوف أميز أنا بين «التناص» الذي يعني العلاقات بين النصوص، وبين «التداخل الخطابي» الذي يعني العلاقات بين التشكيلات الخطابية أو بتعبير أقل دقة بين الأنماط المختلفة للخطاب (انظر الفصل الرابع أدناه). ويتناول التداخل الخطابي للعلاقات فيما بين تشكيلات خطابية أخرى تمثل، طبقا لما يقوله فوكوه، قواعد التشكيل لأي تشكيل خطابي (انظر القسمين عاليه عن تشكيل الموضوعات والنوعيات التعبيرية).
ويقدم فوكوه، في مناقشاته للعلاقات القائمة داخل مجالات الأقوال (1972م، 97-98) بعض التعليقات القيمة عن فكرة «السياق»، وخصوصا كيف أن «سياق الحال» لقول ما (أي الحال الاجتماعي الذي يقع فيها) و«سياقه اللفظي» (أي موقعه بالنسبة للأقوال الأخرى التي تسبقه وتتلوه) يحدد الشكل الذي يتخذه، والطريقة التي يفسر بها. ومن المبادئ الشائعة في علم اللغة الاجتماعي أن الأقوال (أو «الملفوظات») تخضع لهذا المعيار، ولكن الملاحظة الإضافية المهمة التي يقدمها فوكوه هي أن العلاقة بين قول منطوق وسياقه اللفظي والحالي ليست علاقة شفافة؛ إذ تختلف كيفية تأثير السياق فيما يقال أو ما يكتب، وكيفية تفسير ذلك، من تشكيل خطابي إلى سواه. فعلى سبيل المثال نجد أن بعض جوانب الهوية الاجتماعية للمتحدث ككونه رجلا أو امرأة، وانتمائه العرقي، أو سنه، وهي التي من المحتمل أن تؤثر تأثيرا كبيرا في الأشكال والمعاني أثناء المحادثة، قد لا يكون لها تأثير يذكر في مؤتمر لعلماء البيولوجيا. وكذلك إذا جاء قول لأحد المشاركين مباشرة بعد سؤال طرحه آخر، فإن هذا التعاقب اللصيق قد يمثل دافعا إلى اعتبار هذا القول إجابة على السؤال في أثناء استجواب ما بأكثر مما يعتبر كذلك في محادثة عارضة. وإذن فالمرء لا يستطيع الاعتماد على «السياق» وحسب لشرح ما يقال أو يكتب أو أسلوب تفسيره، على نحو ما يفعله الكثير من اللغويين في علم اللغة الاجتماعي والتداولية، بل يجب على المرء أن يبتعد خطوة واحدة ليصل إلى التشكيل الخطابي، وترابط التشكيلات الخطابية في نظم الخطاب حتى يتمكن من شرح العلاقة بين السياق والنص والمعنى. (5) تشكيل الاستراتيجيات
تمثل قواعد التشكيل التي نوقشت إلى الآن مجال الفرص المتاحة لوضع النظريات والأفكار أو ما يسميه فوكوه «الاستراتيجيات»، وهي التي لا تتحقق كلها. وقواعد تشكيل الاستراتيجيات تحدد الفرص التي تتحقق، وهي تتكون من مزيج من قيود المركبات الخطابية، وغيرها من القيود غير الخطابية المفروضة على الاستراتيجيات الممكنة (1972م، 66-70). ويقول فوكوه مثلا: إن «الخطاب الاقتصادي في الفترة الكلاسيكية كان تعريفه يعتمد على طريقة دائمة معينة لإقامة علائق تربط إمكانات الانتظام داخليا في خطاب ما بغيره من ضروب الخطاب خارجه، وبمجال كامل غير خطابي من الممارسات، وصور الاستيلاء والمصالح والرغبات» (1972م، 69). لاحظ هنا تكرار الإشارة إلى علاقات المركبات الخطابية باعتبارها قيودا على أحد التشكيلات الخطابية، ويشير فوكوه إلى أن العلاقات التي يمكن أن تقوم بين ضروب الخطاب تتضمن القياس، والمعارضة، والتكامل، و«علاقات التحديد المتبادل» (ص67).
وتعتبر مناقشة القيود غير الخطابية هنا الإشارة التي اقترب فيها فوكوه في أعماله المبكرة أشد الاقتراب من الإقرار بإمكان خضوع الخطاب للتحكم فيه «من الخارج»، والموقف السائد تجاه العلاقة بين الممارسة الخطابية وغير الخطابية يبين في الواقع أن الأولى تتمتع بالتفوق على الأخيرة. ويشير فوكوه أولا إلى وظيفة الخطاب في الممارسات غير الخطابية، مثل «الوظيفة التي يقوم بها الخطاب الاقتصادي في ممارسة الرأسمالية الناشئة» (1972م، 69)، ثم يشير ثانيا إلى «قواعد وعمليات الاستيلاء» على الخطاب، بمعنى أن «الحق في الكلام» و«القدرة على الفهم»، وكذلك الحق في الاستفادة من «مخزون الأقوال التي سبقت صياغتها» أمور لا تتسم بالتوزيع العادل بين الفئات الاجتماعية (ص68)، ويشير ثالثا إلى «
مواقع الرغبة الممكنة فيما يتعلق بالخطاب ؛ فقد يكون الخطاب في الحقيقة مكانا للتمثيل الخيالي، وعنصرا للرمز، وشكلا من أشكال المحرمات، وأداة لاستقاء الإشباع» (ص68، التأكيد عند فوكوه).
ويربط فوكوه بين قواعد تشكيل الاستراتيجيات وبين الصبغة «المادية» للأقوال، والقيود غير الخطابية المشار إليها للتو تقيم علاقات بين الأقوال والمؤسسات. وقول فوكوه: إن الأقوال لها صبغة «مادية» لا يعني أنها تتمتع بخصيصة النطق بها في وقت محدد ومكان محدد، ولكنه يعني بها أنها تتمتع بمكانة محددة داخل ممارسات مؤسسية محددة. (6) من علم الآثار إلى الأنساب
سبق أن أشرت إلى تغير نقاط التركيز على امتداد عمل فوكوه، ويشغلني الآن انتقاله من الآثار إلى الأنساب، وما يترتب على ذلك بالنسبة لتصوير الخطاب عند فوكوه.
يقدم فوكوه الشرح المقتضب التالي للعلاقة بين علم الآثار وعلم الأنساب:
يجب أن تفهم «الحقيقة» على أنها نظام من الإجراءات المنظمة لإنتاج الأقوال وتنظيمها وتوزيعها ودورانها وتشغيلها.
Página desconocida