فهي الشهادة لي بأني كامل
ثم وقف فانصرف القوم صاخبين مهددين. وبقي المتنبي باسم الوجه عابس القلب، إنه استطاع حقا أن يسخر منهم وأن يستخف بتهديدهم، ولكنه إلى ذلك علم علم اليقين أن أمله في المهلبي ذهب إلى غير رجعة، وأن بقاءه ببغداد أصبح محفوفا بالمكاره. واتجه إليه ابن حمزة، وقال: لقد كنت داهية واسع الحيلة في مقابلة هؤلاء الأنذال، ولكني لا أزال أحذرك منهم، فإن الثعبان لا يموت إذا قطع ذنبه، فزفر المتنبي، وقال: لا يزعجني شيء يا ابن حمزة إلا أن أمني في نهاية أيامي بمثل هؤلاء الزعانف.
وفي صباح اليوم التالي أطلق ابن الحجاج من داره كلبة هزيلة بعد أن علق بعنقها ورقة شدها بخيط، ووكل بها ثلاثة من عبيده، وأمرهم أن يمروا بها في جميع أحياء بغداد وأرباعها، وأن يطيلوا الوقوف أمام معاهد العلم ومظان الطلاب، وأن يصونوا الورقة ويحافظوا عليها، حتى إذا جاء المساء أطلقوا الكلبة في حديقة دار ابن حمزة.
وسارت الكلبة خارجة من سوق داخلة في غيرها، واجتمع خلفها خلق عظيم، ومرت بمسجد ابن رغبان حيث يزدحم طلاب العلم، فاستوقفها أحدهم وأخذ يقرأ ما في الورقة بصوت جهير، فكان فيها:
له الويل ابن أمي كيف مالت
به الدنيا إلى خلق اللئام؟
رمى نسب الكلاب وكان زينا
بعار من مثالبه وذام
يبيع الشعر «أحمد» لا يبالي
وأين لمثله خوف الملام؟
Página desconocida