وقد سيطرت الوثنية على أعمالهم حتى لقد ورد عن أبى رجاء العطاردى أنه قال: «كنا فى الجاهلية إذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من التراب فحلبنا عليها ثم طفنا بها» .
لم ينسوا الله فى وثنيتهم:
٢٤- لقد أغرم العرب بعبادة الأوثان إغراما شديدا، حتى صارت جزا من مداركهم وعقولهم، وأصبحوا يستنصرون بالأحجار، ويظنون أنها تجيب سؤلهم، ولكنهم مع ذلك لم ينسوا الله تعالى خالق هذا الوجود ومنشئه، وكانوا كما قال تعالى عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «١» .
وهنا تفترق الوثنية الرومانية واليونانية عن وثنية العرب، إذ أن وثنية العرب فيها إيمان بالله، وإن لم يكن واحدانية، بل كانوا يشركون مع الله تعالى غيره، أما الاخرون فقد كانت نظرية الحلول تسرى فيهم، ولا يجيء فى وثنيتهم ذكر الله تعالى قط.
والسبب الجوهرى فى هذه التفرقة أن الأصل عندهم هو التوحيد، كما تلقوه عن إسماعيل وإبراهيم ﵉، فكان بقية مما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب، كما قال تعالى فى كتابه الكريم وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «٢» .
الأمر الثانى- هو احترام الكعبة والبيت الحرام، وهو ما ورثوه عن إبراهيم ﵇، فقد كانوا مع وثنيتهم فيهم بقايا من عهد إبراهيم من تعظيم البيت والطواف والحج والعمرة والوقوف على عرفات والمزدلفة وهدى البدن، والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه، ويقول ابن إسحاق فى سيرته: كانت كنانة قريش إذا أهلوا قالوا: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فيواحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده، ويقول تعالى لمحمد وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. «٣»
ومن أجل أن العرب كانوا يحاولون الجمع بين إيمانهم بالله تعالى وإيمانهم بالأوثان نقول أن إيمانهم بالأوثان لم يكن قويا مستغرقا كما ال إليه أمرها عند الرومان، وخصوصا قبل البعث المحمدي، كما أن إيمانهم بالله تعالى لم يكن صحيحا، لأن الإيمان بالله لا يتحقق إلا إذا كان المؤمن يؤمن بواحدانيته لا يشرك به أحدا فى ذاته ولا فى الخلق والتكوين، ولا فى العبادة، فلا عبادة إلا لله تعالى واحده.
_________
(١) سورة لقمان: ٢٥.
(٢) سورة البقرة: ١٣٢.
(٣) سورة يوسف: ١٠٦.
1 / 28