============================================================
وسافر مع عمه إلى الشام حتى وصل يصرى فرآه بحيرى الؤاهب فرأى منه علامات النبؤة، فقال لعمه: ارجع به لثلا تقتله اليهود. وكان عمره ثنتي عشرة ثم سافر إلى الشام مع ميسرة في تجارة لخديجة فباع واشترى، ورأى منه ميسرة العجائب، وما خص به من المواهب، فأخبر خديجة فخطبته، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين، وهي بنث آربعين وصار يدعى بالأمين، فلما تم له خمس وثلاثون سنة بنث قريش البيت، فاختلفوا فيمن يضغ الحجر محلة، وتنازعوا، ثم رضوا بأنه الذي يضعه، فوضعه بيده، وصار من يومئذ يسمغ صوتا أحيانا ولا يرى شخصا، ثم صار يرى نورا.
ولما قربث أيام الوحي أحب الخلوة والانفراد، فكان يختلي في جبل جراء بالذكر. وزغم أنه كان بالفكر لا التفات إليه؛ لأن خلوة طلاب طريق الحق على انواع: الأول: أن تكون لطلب مزيد علم من الحق لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق؛ لأن من خاطب في خلوته كونا من الأكوان، أو فكر فيه فليس في خلوة؛ قال رجل لبعض الأكابر: اذكرني عند ربك في خلوتك.
فقال: إذه ذكرتك فلسث معه في خلوة.
وشرط هذه الخلوة أن يذكر بنفسه وروحه لا بنفسه ولسانه.
الثاني: أن تكون خلوثهم لصفاء الفكر ليصح نظروهم في طلب المعلومات، وهذه لقوم يطلبون العلم من ميزان العقل، وذلك الميزان في غاية اللطافة، وهو بأدنى هوى يخرج عن الاستقامة، وطلأب طريق الحق لا يدخلون هذه الخلوة؛ بل خلوئهم بالذكر، وليس للفكر عليهم سلطان، ومهما وجد الفكر طريقا إلى صاحب هذه الخلوة فليعلم أنه ليس من أهلها فيخرج منها، وأنه ليس من أهل العلم الصحيح الإلهي؛ إذ لو كان من أهله حالت العناية الإلهية بينه وبين دوران رأسه بالفكر.
Página 23