293

والوجه الرابع من التأويل ان يكون معنى الاية الاخبار عن انه لا أحد اخذ بثأرهم ولا أحد انتصر لهم لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الاخذ بثاره فكنى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والاخذ بالثار على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن والوجه الخامس من التأويل ان يكون البكاء المذكور في الاية كناية عن المطر والسقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء ويكون معنى الاية ان السماء لم تسق قبورهم ولم تجد بقطرها عليهم على مذهب العرب المعهود بينهم لانهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من اعزائهم يتعشبون الزهر والرياض لمواقع حفرهم قال النابغة * فلا زال قبر بين بينا وجاشم عليه من الوسمى طل ووابل * فينبت حوذانا وعوفا منورا * ساتبعه من خير ما قال قائل * وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله تعالى لهم الرضوان والفعل إذا اضيف الى السماء وان كان لا تجوز اضافته الى الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بان يقدر فعل يصح نسبته إليها والعرب تفعل مثل هذا قال الشاعر * يا ليت زوجك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا * بعطف الرمح على السيف وان كان التقلد لا يجوز فيه لكنه اراد حاملا رمحا ومثل هذا يقدر في الاية فيقال انه تعالى اراد ان السماء لم تسق قبورهم وان الأرض لم تعشب عليها وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله عزوجل وربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر ببكاء السماء وفي ذلك يقول أبو تمام حبيب ابن اوس * ان السماء إذا لم تبك مقلتها * لم تضحك الارض عن شئ من الخضر * والزهر لا تنجلي ابصاره ابدا * الا إذا رمدت من كثرة المطر (ذكر مجلس) جرى في القياس مع رجل من فقهاء العامة اجتمعت معه بدار العلم في القاهرة سئلني هذا الرجل بمحضر جماعة من اهل العلم فقال ما تقول في القياس وهل تستجيزه في مذهبك ام ترى انه غير جائز فقلت له القياس قياسان قياس في العقليات وقياس في السمعيات فاما القياس في العقليات فجائز صحيح وأما القياس في السمعيات فباطل مستحيل قال فهل يتفق حدهما ام يختلف قلت الواجب ان يكون حدهما واحدا غير مختلف قال فما هو قلت القياس هو اثبات حكم المقيس عليه في المقيس هذا هو الحد الشامل لكل قياس وله بعد هذا شرائط لابد منها ولا يقاس شئ على شئ إلا بعلة تجتمع

--- [ 294 ]

Página 293