والذين يجعلون دعاء الموتى من الأنبياء والأئمة والشيوخ أفضل من دعاء الله أنواع متعددة منهم من تقدم ومنهم من يحكي أنواعا من الحكايات: حكاية أن بعض المريدين استغاث بالله فلم يغثه واستغاث بشيخه فأغاثه، وحكاية أن بعض المأسورين في بلاد العدو دعا الله فلم يخرجه فدعا بعض المشايخ الموتى فجاءه فأخرجه إلى بلاد الإسلام، وحكاية أن بعض الشيوخ قال لمريده: إذا كانت لك إلى الله حاجة فتعال إلى قبري، وآخر قال: فتوسل إلى الله بي، وآخر قال: قبر فلان هو الترياق المجرب. فهؤلاء وأشباههم يرجحون هذه الأدعية على أدعية المخلصين لله مضاهاة لسائر المشركين. وهؤلاء تتمثل لكثير منهم صورة شيخه الذي يدعوه فيظنه إياه أو ملكا على صورته، وإنما هو شيطان أغواه، ومن هؤلاء من إذا نزلت به شدة لا يدعو إلا شيخه، ولا يذكر إلا اسمه قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمه فيستنصر به أحدهم فيقول: يا فلان، وقد قال الله تعالى للموحدين: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ . ومن هؤلاء من يحلف بالله ويكذب ويحلف بشيخه وإمامه ويصدق ولا يكذب، فيكون شيخه عنده وفي صدره أعظم من الله، فإذا كان دعاء الموتى مثل الأنبياء والصالحين يتضمن هذا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، فأي الفريقين أحق بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله: من كان يأمر بدعاء الموتى والاستغاثة بهم مع ما يترتب على ذلك من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، أو من كان يأمر بدعاء الله وحده لا شريك له كما أمرت رسله ويوجب طاعة الرسول ﷺ ومتابعته في كل ما جاء به. وأيضا فإن هؤلاء الموحدين من أعظم الناس إيجابا لرعاية جانب الرسول ﷺ تصديقا له فيما أخبر، وطاعة له فيما أمر، واعتناء بمعرفة ما بعث به، والتمييز بين ما روي عنه من الصحيح والضعيف والصدق والكذب، واتباع ذلك دون ما خالفه، عملا بقوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ وأما أولئك الضلال أشباه المشركين والنصارى فعمدتهم إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة أو منقولات عمن لا يحتج بقوله، وإما أن تكون كذبا عليه، وإما أن تكون غلطا منه، إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم. وإن اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول ﷺ حرفوا الكلم
1 / 364