Jurisprudential Provisions of Waqf
مدونة أحكام الوقف الفقهية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٧ م
Géneros
المبحث الخامس الوقف في العصر العباسي حتى سقوط بغداد (١٣٢ - ٦٥٦ هـ/ ٧٥٠ - ١٢٥٨ م)
شهد العصر العباسي في أطواره المختلفة تطوُّر مؤسسة الوقف وازدهارها، بفضل رعاية الخلفاء والسلاطين والأمراء لها، وتأسي الرعية بحكامها بوقف الأوقاف التي تنوعت تنوعًا كبيرًا، وازداد عددها زيادة ملموسة، ولم تعد تقتصر على بناء المدارس والمساجد وسُبل الماء، بل تعدتها إلى بناء المكتبات المتكاملة في مرافقها وخدماتها، والعناية بالطرق، والأيتام والأرامل والمطلقات، وبناء البيمارستانات التي وفرت كل الخدمات الطبية والإنسانية للمرضى، وغيرها من المرافق التي كانت تخدم كل الشرائح الضعيفة في المجتمع، بل تجاوز الأمر كل ذلك إلى وقف الأوقاف لرعاية البهائم والطيور، وتوفير المأكل والعلاج لها.
ولقد تميَّز العصر العباسي بميلاد كبريات الأوقاف الثقافية والصحية والمائية، التي يأتي على رأسها: عين زبيدة في مكة المكرمة؛ التي وفَّرت الماء للحجاج والمعتمرين بعدما كانوا يعانون الأمرين من قلته، والمدرسة المستنصرية، والبيمارستان العضدي في بغداد، وغيرها من الأوقاف التي سيتم التسليط الضوء عليها في الصفحات الآتية.
وإن المتأمل لحركة الوقف في العصر العباسي يلحظ أن المساجد حظيت بالعناية الكبرى من قِبل الخلفاء وزوجاتهم، وأمراء الأمصار، فيذكر على سبيل المثال المستشرق "آدم متز" أنه كان في بغداد عام ٣٠٠ هـ/٩١٣ م نحو من سبعة وعشرين ألف مسجد، وثلاثة مساجد جامعة تصلى بها الجمعة (اثنان في جانبي دجلة، والثالث في دار الخلافة)، وفي البصرة في القرن الثالث الهجري سبعة آلاف مسجد (^١)، وتعدُّ منارة مسجد الخافقين في بغداد الذي وقفته السيدة "زمرد خاتون" زوجة الخليفة العباسي المستضيء (^٢) أقدم منارة معروفة في بغداد، ويذكر
(^١) انظر: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، آدم متز، ٢/ ٢٩٣. (^٢) قال عنها ابن كثير في البداية والنهاية: "الست الجليلة زمرد خاتون؛ أم الخليفة الناصر لدين الله، زوجة المستضيء؛ كانت عابدة صالحة، كثيرة البر والإحسان والصلاة والأوقاف".
1 / 60