ما دامت الأنفاس تصعد والعيون تحدق
سيظل شعري خالدا وعليك عمرا يغدق. (فطينة النائب، من كتاب «فن الترجمة» للدكتور صفاء خلوصي ، 1986م)
ولا أريد الإفاضة في المقارنة؛ فأنا أفضل الترجمة الأخيرة رغم إضافاتها الكثيرة إلى نص شيكسبير بسبب إيقاعها المتئد (الكامل)، ورصانة مصطلحها العربي، ولا غرو؛ فالمترجمة شاعرة مفطورة، ولا شك أنها أفادت كثيرا من ممارستها فن الشعر في التحكم في عدد الأبيات وإحكام القافية. وأعترف أنني ترددت طويلا قبل أن أدرج ترجمتي التي تمثل مرحلة مبكرة من مراحل عملي في هذا الحقل. (إذ إنني كنت حريصا كل الحرص على إخراج نص شيكسبير دون زيادة أو نقصان، مما استتبع زيادة عدد الأبيات وعدم انتظام القافية)، ولكنني رأيت إدراجها آخر الأمر حتى يستطيع القارئ المقارنة وإدراك مرماي من عرض نظرتي الخاصة بالمقابل الذي قد يرقى وقد لا يرقى إلى مرتبة المثيل. وإن كان ثمة مأخذ على أي منها فهو عدم استقامة وزن البيت الأول في ترجمة حسين دباغ، وربما كان السبب خطأ مطبعيا.
نشدان المقابل إذن معناه محاكاة الصفات الشكلية والأسلوبية للعمل المترجم إلى جانب التقيد بالمعاني والصور، مما يتطلب الخبرة الواسعة بالطرائق الأسلوبية في اللغة المترجم إليها، ويقتضي قدرا من الموهبة في الصياغة والتركيب.
ولكن ضروب الشعر الأخرى - أي الشعر القصصي والدرامي - قد لا تتطلب مثل هذا العناء؛ لأن الدور الذي يلعبه الوزن والقافية فيها محدود إلى درجة كبيرة، بل إن أهم ألوان الشعر المستخدم فيها في الأدب الإنجليزي مثلا هو النظم غير المقفى
Blank Verse
وهو نظم لا تلعب فيه الموسيقى دورا كبيرا، وكثيرا ما يحس القارئ أنه أقرب إلى النثر منه إلى النظم. فمعظم نماذجه تعتمد على النظام الكمي؛ أي على تماثل عدد المقاطع في كل بيت لا على الانتظام الإيقاعي المحكم الذي نشهده في الشعر الغنائي، وذلك رغم أن عمود النظم الإنجليزي نبري وليس كميا. وأعتقد أن هذه مسألة تحتاج إلى إيضاح.
إن النظم في الأدب الأوروبي الحديث (أي منذ نشوء اللغات الأوربية المستقلة التي نعرفها اليوم) يختلف عن النظم في اللغات القديمة - كاليونانية واللاتينية - في أنه لا يعتمد على عدد المقاطع وطولها، بل على تتابع المقاطع المنبورة وغير المنبورة في كل بيت، بحيث تشكل كل مجموعة من هذه المقاطع تفعيلات يسميها الإنجليز «أقداما» (
feet ) باعتبارها «مقاييس» يقاس بها النظم. وأشهر البحور المستخدمة في النظم الإنجليزي قاطبة هو بحر الأيامب المستمد من تراث اليونانية القديم، ويتكون من مقطعين؛ الأول غير منبور والثاني منبور، ولكن أنواع الزحاف التي تدخل على هذا البحر قد تطمس الإيقاع المنتظم الذي يتميز به الشعر الغنائي، بل كثيرا ما يحار القارئ في تحديد نوع البحر المستخدم لزيادة الزحافات في الشطر الواحد عن التفعيلات المستقاة من البحر الأصلي! ولدى الإنجليز بحور أخرى بطبيعة الحال، ولكن كثرة استخدامها في سياق بحر الإيامب يتيح للشعراء كسر «الانتظام» (فهم يعتبرون الانتظام رتابة ويسعون جادين للتغلب عليه)، وتجعل المحك الوحيد هو عدد التفعيلات في البيت الواحد؛ أي العودة إلى النظام الكمي.
وقد خرج على هذا النظام بعض الشعراء المحدثين مثل ت. س. إليوت، ومن تبعه من شعراء القرن العشرين، فاستحدثوا نظاما جديدا يعتمد على عدد المقاطع المنبورة في البيت الواحد، بغض النظر عن عدد المقاطع في البيت كله، وإن كان هذا النظام هو المتبع في شعر الإنجليزية القديمة
Página desconocida