تقديم
المقدمة
مأساة يوليوس قيصر
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تقديم
المقدمة
Página desconocida
مأساة يوليوس قيصر
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
يوليوس قيصر
يوليوس قيصر
تأليف
ويليام شيكسبير
Página desconocida
ترجمة
محمد عناني
تقديم
على نحو ما أذكر في كتابي «فن الترجمة» - وما فتئت أردد ذلك في كتبي التالية عن الترجمة - يعد المترجم مؤلفا من الناحية اللغوية، ومن ثم من الناحية الفكرية. فالترجمة في جوهرها إعادة صوغ لفكر مؤلف معين بألفاظ لغة أخرى، وهو ما يعني أن المترجم يستوعب هذا الفكر حتى يصبح جزءا من جهاز تفكيره، وذلك في صور تتفاوت من مترجم إلى آخر، فإذا أعاد صياغة هذا الفكر بلغة أخرى، وجدنا أنه يتوسل بما سميته جهاز تفكيره، فيصبح مرتبطا بهذا الجهاز. وليس الجهاز لغويا فقط، بل هو فكري ولغوي، فما اللغة إلا التجسيد للفكر، وهو تجسيد محكوم بمفهوم المترجم للنص المصدر، ومن الطبيعي أن يتفاوت المفهوم وفقا لخبرة المترجم فكريا ولغويا. وهكذا فحين يبدأ المترجم كتابة نصه المترجم، فإنه يصبح ثمرة لما كتبه المؤلف الأصلي إلى جانب مفهوم المترجم الذي يكتسي لغته الخاصة، ومن ثم يتلون إلى حد ما بفكره الخاص، بحيث يصبح النص الجديد مزيجا من النص المصدر والكساء الفكري واللغوي للمترجم، بمعنى أن النص المترجم يفصح عن عمل كاتبين؛ الكاتب الأول (أي صاحب النص المصدر)، والكاتب الثاني (أي المترجم).
وإذا كان المترجم يكتسب أبعاد المؤلف بوضوح في ترجمة النصوص الأدبية، فهو يكتسب بعض تلك الأبعاد حين يترجم النصوص العلمية، مهما اجتهد في ابتعاده عن فكره الخاص ولغته الخاصة. وتتفاوت تلك الأبعاد بتفاوت حظ المترجم من لغة العصر وفكره، فلكل عصر لغته الشائعة، ولكل مجال علمي لغته الخاصة؛ ولذلك تتفاوت أيضا أساليب المترجم ما بين عصر وعصر، مثلما تتفاوت بين ترجمة النصوص الأدبية والعلمية.
وليس أدل على ذلك من مقارنة أسلوب الكاتب حين يؤلف نصا أصليا، بأسلوبه حين يترجم نصا لمؤلف أجنبي، فالأسلوبان يتلاقيان على الورق مثلما يتلاقيان في الفكر . فلكل مؤلف، سواء كان مترجما أو أديبا، طرائق أسلوبية يعرفها القارئ حدسا، ويعرفها الدارس بالفحص والتمحيص؛ ولذلك تقترن بعض النصوص الأدبية بأسماء مترجميها مثلما تقترن بأسماء الأدباء الذين كتبوها، ولقد توسعت في عرض هذا القول في كتبي عن الترجمة والمقدمات التي كتبتها لترجماتي الأدبية. وهكذا فقد يجد الكاتب أنه يقول قولا مستمدا من ترجمة معينة، وهو يتصور أنه قول أصيل ابتدعه كاتب النص المصدر. فإذا شاع هذا القول في النصوص المكتوبة أصبح ينتمي إلى اللغة الهدف (أي لغة الترجمة) مثلما ينتمي إلى لغة الكاتب التي يبدعها ويراها قائمة في جهاز تفكيره. وكثيرا ما تتسرب بعض هذه الأقوال إلى اللغة الدارجة فتحل محل تعابير فصحى قديمة، مثل تعبير «على جثتي» (
over my dead body ) الذي دخل إلى العامية المصرية، بحيث حل حلولا كاملا محل التعبير الكلاسيكي «الموت دونه» (الوارد في شعر أبي فراس الحمداني)؛ وذلك لأن السامع يجد فيه معنى مختلفا لا ينقله التعبير الكلاسيكي الأصلي، وقد يعدل هذا التعبير بقوله «ولو مت دونه»، لكنه يجد أن العبارة الأجنبية أفصح وأصلح! وقد ينقل المترجم تعبيرا أجنبيا ويشيعه، وبعد زمن يتغير معناه، مثل «لمن تدق الأجراس»
for whom the bell tolls ؛ فالأصل معناه أن الهلاك قريب من سامعه (
It tolls for thee )، حسبما ورد في شعر الشاعر «جون دن»، ولكننا نجد التعبير الآن في الصحف بمعنى «آن أوان الجد» (المستعار من خطبة الحجاج حين ولي العراق):
آن أوان الجد فاشتدي زيم
Página desconocida
قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم
فانظر كيف أدت ترجمة الصورة الشعرية إلى تعبير عربي يختلف معناه، ويحل محل التعبير القديم (زيم: اسم الفرس، وحطم: أي شديد البأس، ووضم: هي «القرمة» الخشبية التي يقطع الجزار عليها اللحم)، وأعتقد أن من يقارن ترجماتي بما كتبته من شعر أو مسرح أو رواية سوف يكتشف أن العلاقة بين الترجمة والتأليف أوضح من أن تحتاج إلى الإسهاب.
محمد عناني
القاهرة، 2021م
المقدمة
هذه ترجمة جديدة لمسرحية من مسرحيات شيكسبير التي أحببتها، وطالما تمنيت أن أنقلها إلى العربية بعد أن عاشت في خيالي منذ أيام المدرسة؛ أي ما يقرب من خمس وثلاثين سنة؛
1
بل لقد عاشت في خيال أبناء جيلي ممن شهدوا الثورات السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي، فوجدوا أنفسهم يفسرون أحداث العقود الأربعة الماضية في إطار التاريخ القديم، ووجدوا في الأعمال الأدبية التي تصور هذا التاريخ نماذج حية لما كان يحدث من حولهم، ورأوا - كما رأى طه حسين في كتابه ألوان - أن في التاريخ من الصور الأدبية ما يشرح لهم بعض ما كان يجري في تلك الحقبة الحافلة.
Página desconocida
أقول: إنني طالما تمنيت أن أنقلها إلى العربية، وطالما تصورت أنني أنقل هذه القطعة أو تلك - مثل خطبة أنطونيو في أهالي روما بعد مقتل قيصر، أو تصوير غضبة الطبيعة قبيل مقتله - وطالما أحسست بصعوبة العمل وتمنيت أن تكتمل عدتي الأدبية يوما ما فأتصدى واثقا لهذا النص العسير، وإذا كنت لا أدعي اليوم أن عدتي قد اكتملت، فإنني أشعر أن العديد من التجارب التي خضتها في الكتابة المسرحية، نثرا وشعرا،
2
وفي الترجمة الأدبية، نثرا وشعرا،
3
أقدر على «مواجهة» هذه البلاغة عما كنت عليه عندما ترجمت «حلم ليلة صيف» (1964م)، أو «روميو وجوليت» (1965م) نثرا بالعربية المعاصرة. أو «الفردوس المفقود» (1982-1986م) بأسلوب عربي يضارع الأسلوب الذي استخدمه ملتون (
Grand Style ) أو حتى عندما ترجمت روميو وجوليت مرة ثانية عام 1985م (دار غريب للطباعة) ترجمة تجمع بين الشعر والنثر، مما حفزني إلى ترجمة تاجر البندقية شعرا من البداية للنهاية في أواخر الثمانينيات (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988م).
وقد شرعت، بعد انتهائي من ترجمة تاجر البندقية، في الاستعداد لترجمة هذه المسرحية. فذكرت أنني رأيت لها ترجمة عربية رصينة، قرأت بعضا منها في منزل أستاذي الدكتور عبد الحميد يونس أثناء معاونتي له - رحمه الله - وأنا بعد أخضر العود في ترجمة مسرحية أخرى لشيكسبير هي طرويلوس وكريسيدا في صيف عام 1959م. وذكرت أن الدكتور يونس كان معجبا بها أيما إعجاب، وكنت أقرأ له منها أقساما تبهرنا بجزالتها ورصانتها، وكثرة مائها ورونقها وخلوها - كما يقول أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين - من أود التأليف وعوج التركيب . وذكرت أيضا أنه كان ينصحني باتباع منهج مترجم هذه المسرحية، وهو الأستاذ محمد حمدي، لنجاحه في تحاشي رطانة الترجمات الحديثة وركاكة المترجمين الذين كانوا آنذاك (وما زالوا حتى يومنا هذا) يلتزمون بحرفية النص بدعوى الأمانة.
وعندما ذكرت تلك الترجمة بدأت أتساءل عن جدوى إخراج ترجمة جديدة، فاستشرت صديقي الدكتور ماهر شفيق فريد في الموضوع، وطلبت منه أن يقطع لي برأي؛ فهو مرجع أستند إليه في شئون الأدب الإنجليزي الحديث والأدب المقارن والترجمة جميعا، وهو ناقد ذو إحاطة موسوعية لا تتأتى للكثير من أبناء هذا الجيل، فلم يلبث أن أعارني نسخة لديه من تلك الترجمة القديمة (ليس عليها تاريخ الصدور)، وترجمة أخرى قام بها الأستاذان عبد الحق فاضل، ومصطفى حبيب، وصدرت في سلسلة ترجمات شيكسبير عن الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية عام 1973م، ولم أكن قد اطلعت عليها من قبل. وعندما أعدت قراءة نص محمد حمدي عاودني الإعجاب القديم، وكاد يصيبني اليأس من المضي في المشروع، ثم جعلت أقارن بين النص العربي والنص الإنجليزي فوجدت ما أعاد إلي الأمل ودفعني إلى التفكير في الموضوع الذي كنت طرقته من قبل في مقدمات ترجماتي الأدبية تفكيرا مركزا وعميقا - ألا وهو مناهج الترجمة الأدبية.
وطوال صيف عام 1988م واصلت الجهد الذي كنت بدأته من سنين في تحليل بلاغة اللغة العربية القديمة منها والمعاصرة، مستندا إلى ما أبدعه جيل أساتذتنا ورفقاء جهودنا اللغوية والأدبية من المتخصصين في اللغة العربية، محاولا أن أضع يدي على «نوع» التطور الذي شهدته بلاغة هذه اللغة، فأعدت قراءة كتابات شوقي ضيف، وشكري عياد، وإبراهيم أنيس، ومحمود حجازي، وعبد الحكيم راضي، وسواهم، ثم عدت إلى نصوص اللغة العربية المعاصرة منذ هيكل وطه حسين، ثم نجيب محفوظ وحتى المحدثين من كتاب الرواية، وأمامي وورائي يمتد تراث العربية الزاخر الذي نشأت في كنفه، حتى انتهيت إلى «نظرة» لا تبلغ حد «النظرية» أعانتني في إدراك أبعاد المشكلة، وتلك أول خطوة على طريق الحل. ولا أريد أن أشغل القارئ بتفاصيل هذه «النظرة»، فما أحسبها جديدة كل الجدة ، ولقد بسطتها بسطا وافيا في دراسة كتبتها بالإنجليزية عن تطور لغة الرواية العربية عند نجيب محفوظ بعنوان
Novel Rhetoric
Página desconocida
ونشرت في كتاب صدر في فبراير 1989م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان
Naguib Mahfouz : Nobel 1988-a collection of critical essays, ed. M. Enani. pp. 97-144 .
ولكنني سأعرض فحسب ما يتصل منها بالترجمة الأدبية، وهي تسمية غير دقيقة، ويقصد بها بطبيعة الحال ترجمة النصوص الأدبية، وأما علاقة اللغة بالإبداع بصفة عامة فأنصح القارئ بالرجوع إلى كتاب شكري عياد «اللغة والإبداع» الذي اطلعت عليه بعد أن طبعت دراستي المذكورة، فلم أتمكن من الإفادة منه، وإن كنت قد أشرت إليه في ذيل الدراسة.
وجوهر «النظرة» التي أقول إنني انتهيت إليها - باختصار - هو أن اللغة العربية لم تكن لغة موحدة على مدى تاريخها الطويل، وأنا لا أعني بذلك اختلاف اللهجات العربية، ولكنني أقصد أن الانفصال بين لغة «الأدب الرسمي» ولغة الحياة اليومية، كان قائما بدرجات متفاوتة منذ أقدم العصور (وليست اللغة العربية فريدة في هذا)، ولكننا لا نستطيع أن ندرك درجات هذا الانفصال وأشكاله؛ لأن هم الرواة والمؤرخين كان الحفاظ على الأدب «الرسمي»، واللغة الرسمية وحدها دون المستوى الآخر؛ فالشعر الذي حفظه لنا الرواة ومن بعده النثر الفني المسجل في الكتب، كانا يمثلان التيار الرئيسي الذي تصب فيه تقاليد الأمة العربية وأعرافها، وهي لا تقتصر على التقاليد اللغوية والأدبية، بل تتخطاها إلى التقاليد الاجتماعية والإنسانية العامة، وكانت جميعا ترصد أبعاد الشخصية العربية وتحافظ عليها. فكان التعليم الرسمي يبدأ بتعلم اللغة، وكانت مباحث اللغة والأدب المختلفة تمثل الفروع الأساسية للعلم الذي يتلقاه المتأدب في صباه، وهكذا كان هم المجتمع بصفة عامة هو الحفاظ على هذا التراث وصيانته من «كلام العامة»، خصوصا بعد التوسع الكبير - جغرافيا وحضاريا - في القرون الأولى للهجرة، والتفكك الكبير أيضا فيما يسمى بعصر الانحطاط.
ولهذا فنحن دائما ما نقرأ في الكتب التي جمع فيها أصحابها تراث السلف إشارات إلى من قال كلاما «أصاب» فيه أو «أخطأ»، أو إلى عجمة هذا الشاعر أو ذاك، وأحيانا تفلت من أيدي الرواة عبارات، بل فقرات كاملة على ألسنة من يروون عنهم يختلف فيها مستوى العربية اختلافا بينا عن مستوى الشعر المسجل في الكتاب، بل عن مستوى النثر الذي يستخدمه الراوي نفسه. ولا داعي للإفاضة في هذا؛ فقد أثبته دارسو الأدب الشعبي العربي (مثل حسين نصار، وعبد الحميد يونس، وغيرهما)، فكل ما أريد أن أوضحه هو أن التيار الرسمي للأدب العربي (واللغة العربية) كان يخفي دائما تيارا آخر لا يقل عنه أهمية، وهو إذا كان ينفصل عنه انفصالا خارجيا (أي إذا كان الرواة والمؤلفون يفصلون بين التيارين في كتبهم)، فهو يتصل به اتصالا داخليا وثيقا؛ لأنه «يغذيه» ويبقي على حيويته. وفي ظني أن دراسة تطور اللغة والأدب لن تكون كاملة، ولن يكون لها المعنى الذي نرجوه إلا إذا ربطنا بين التيارين.
وعلى مر القرون تطورت اللغة المستخدمة في الحياة اليومية، وفشا فيها الكثير مما كان أعجميا أو مما جرى على ألسنة الناس من ألفاظ وتراكيب ومعان وقيم بلاغية وأشكال أسلوبية؛ بل وتغيرت بعض الأصوات العربية (كما أثبت ذلك الدكتور رمضان عبد التواب)، وأقبل الكثير من الكتاب على استخدام اللغة المتطورة التي اكتسبت بالتدريج احترام النقاد (رغم وجود نفر في كل عصر لا يقبلون إلا القديم وينفرون من كل جديد)، حتى جاء يوم ابتعدت فيه اللغة الأدبية القديمة ابتعادا واضحا عن أقلام الأدباء، وأصبحت اللغة المتطورة هي المستخدمة في إبداع الأدباء بصفة عامة.
والواقع أن لغة العامة، أي اللهجة العربية المحلية التي تختلف من بلد إلى بلد، لم تكن يوما بمعزل عن هذا التطور؛ بل إنها كانت دائما من العوامل الحاسمة في إحداثه؛ فهي تستخدم في الحديث اليومي، وفي التفكير، وفي الإحساس والتعبير عن المشاعر أيا كانت حدتها ودرجة تعقيدها. ولذلك فقد كانت أقرب إلى الألسنة العربية من «اللغة الرسمية» التي يتعلمها الصبيان في المدارس، وكثيرا ما فرضت نفسها على صور هذه اللغة وقوالبها، فغيرتها من وقت إلى وقت، طورا بالإضافة (بإضافة ألفاظ وتراكيب جديدة تقتضيها المعاني والمفاهيم الجديدة)، وطورا بالتعديل (الذي كان القدماء يعتبرونه تحريفا وتشويها)، وطورا بتقديم المقابل الجديد لشكل من أشكال التعبير القديم أصبح مهجورا لبعد العهد به، ولظهور «سياقات» حيوية (حياتية) جديدة تتطلب العربية العامية لا العربية القديمة.
وهكذا نرى أن لدينا ثلاثة مستويات متداخلة للغة العربية؛ أولها هو مستوى اللغة الأدبية القديمة، وثانيها هو مستوى اللغة المعاصرة التي أصبحت تستخدم في الأعمال الأدبية الحديثة والمترجمة، وثالثها هو مستوى العربية العامية أو ما أسميته في دراستي بالإنجليزية «العربية المصرية
Egyptian Arabic »، وهي تستخدم أيضا في الأعمال الأدبية الحديثة إما وحدها أو في سياق اللغة المعاصرة. وقد كنت عرضت مذهبي في ترجمة النصوص الأدبية العالمية في مقدمتي لترجمة مسرحية شيكسبير «تاجر البندقية»، قائلا إنني لا أعترف بأي حواجز تفصل بين هذه المستويات فصلا خارجيا؛ فالقارئ العربي ينتقل بينها بصورة طبيعية وتلقائية، كما قلت إنني أوجه عملي الأدبي إلى القارئ المعاصر الذي يدرج على دراسة القديم بينما يتحدث العامية، وبينما يستخدم في حياته اليومية العربية المعاصرة التي تقبل شتى ألوان التعبير القديمة والعامية؛ لأنها تمثل التيار الرئيسي للعربية في عصرنا هذا. والآن أضيف إلى ما قلته أنني واجهت صعوبة جديدة جعلتني أعيد النظر في بعض الأمور. وأعود إلى موضوع الترجمة الأدبية ومشاكلها؛ فكل نص أدبي يأتي معه بحصاد جديد من الأفكار. فما هي هذه الصعوبة الجديدة التي أتت بها «يوليوس قيصر»، وكيف حاولت حلها؟
الصعوبة ذات شقين؛ أما الشق الأول فيتصل بمفهوم لغة الأدب، وأما الثاني فيتعلق بنوعين من الترجمة الأدبية أستطيع من باب التيسير أن أصفهما بفن إيراد المقابل (الذي يصل في حالات مثالية نادرة إلى مستوى المثيل)، وفن إيراد البديل إذا تعذر المقابل، ويكفي أن أقول فيما يتعلق بالشق الأول، إن القول بأن للأدب لغة تختلف عن لغة «العلم» مثلا أو لغة الفلسفة قول مضلل، وينبغي ألا نقبله دون إدراك للتعميم الشديد الذي يشوبه. إذ ما المقصود بلغة الأدب؟ المقصود هو اللغة المستخدمة في الأدب لا اللغة التي هي بطبيعتها أدب! وقد نشأ هذا الخلط بكل أسف في فترة من فترات التحول اللغوي كانت اللغة العربية تخطو فيه بحذر من المستويات «القديمة » (والتي اتخذت صورا بلاغية شكلية محضة) إلى المستويات «الحديثة»؛ إذ استطاع عدد من الكتاب أن يبتدع أشكالا لغوية جديدة قادرة على نقل التراث الفكري الحديث إلى العربية. وكان معظم هؤلاء الكتاب روادا في العلوم الإنسانية، وإن كان بينهم عدد غير قليل من العلماء، فمن أجاد منهم اللغة العربية وصقل أسلوبه فنفى عنه العجمة والركاكة عد من بين الأدباء، كأنما انحصر الأدب في الكتابة بأسلوب منمق؛ بل إن أحد أساتذة العلوم، وهو المرحوم الدكتور أحمد زكي، كان يوصف بأنه أديب لأنه يكتب لغة عربية ناصعة، ويستخدم أسلوبا رشيقا أصبح علما عليه (يفصل فيه بين الصفة والموصوف، ويكثر من الابتداء بالنكرة، ويحافظ على التماثل في بناء العبارات المتتالية، وما إلى ذلك). وأذكر أن أحد الكتب المدرسية كان يقول للطلبة: إن ثمة شيئا اسمه الأسلوب «العلمي الأدبي»، وما المقصود إلا عرض المادة العلمية بلغة سليمة وأسلوب فصيح.
Página desconocida
وما زال الخلط قائما حتى يومنا هذا؛ فكل من كتب العربية فأجادها كاتب، وكل من تميز أسلوبه بعض الشيء (انظر كتاب الدكتور شكري عياد عن الأسلوب) اكتسب لنفسه صفة الأديب، مما دفع أحد الأساتذة من الجيل الماضي، وهو الدكتور توفيق الطويل، إلى كتابة دراسة كاملة عن «لغة الأدب ولغة العلم» يستند فيها إلى التعميمات التي أحذر منها، والتي قد يلجأ إليها المدرس لتبسيط الأمور للتلميذ، مثلما يفعل كلينت بروكس
Cleanth Brooks
في كتابه
The Well-Wrought URN (الإناء المحكم الصنع)، (وقد عرضت رأيه في كتابي «النقد التحليلي»، مكتبة الأنجلو المصرية، 1962م)، أو مثلما فعلت أنا في كتابي «الأدب وفنونه» (مكتبة الشاب، الثقافة الجماهيرية، 1984م)، ولكن الناقد الجاد ينبغي أن يحذر منها كل الحذر، خصوصا وهو يعرض لقضية كبرى مثل الترجمة الأدبية؛ فلم يعد من المقبول ولا المعقول أن نعد كل من يجيد العربية كاتبا، ولا كل من ينمق أسلوبه أديبا، انطلاقا من الموازنة الخاطئة بين اللغة والأدب.
أفليس للأدب إذن لغة تميزه عن لغة العلم؟ أفلا يستطيع الإنسان عندما يفتح كتابا أن يستدل من لغته على طبيعته؛ أي أن يحدس دون تمحيص إن كان علميا أو أدبيا؟ والإجابة على هذا السؤال في صورتيه تتوقف على تعريفنا للأدب - فإذا قال قائل إن الأدب مادة مكتوبة تتناول حياة الإنسان - أفكاره ومشاعره ونشاطه ومجتمعه وما إلى ذلك - فربما رد عليه من يقول إن العلوم الإنسانية أيضا تتناول حياة الإنسان وتشمل هذه الجوانب؛ فإذا قيل إن الهدف هو الذي يفرق بين الكتابة الأدبية والكتابة العلمية، أي أن الكتابة الأدبية تستهدف إثارة المشاعر والخيال وتنبيه الوعي لدى القارئ، فربما كان الرد هو أن كتابة التاريخ مثلا أو الكتابة الفلسفية يمكن أن تحقق هذا الهدف وإن لم ترم إليه! فإذا قيل إن للأدب صورا معروفة من العبث إنكارها، مثل القصيدة والقصة والمسرحية - وكل منها يتميز بخصائص شكلية تهدينا إلى طبيعتها الأدبية - كان الرد أن هذه الأشكال قد تخلو من جوهر الأدب كما حدده النقاد على مر الزمن؛ فقد تكون القصيدة نظما فارغا، أو نظما علميا (كألفية ابن مالك)، وقد تكون القصة رواية تاريخية تسرد الوقائع الجافة، وقد تكون المسرحية حوارية باردة، أو فلسفية لا تخرج كوامن الشخوص ولا انفعالاتها! فإذا قيل إن أساس التفرقة في الواقع هو أن الأدب يتناول «الخيال»، أي أن «وقائعه» لم «تقع» وأن شخوصه وأحداثه «مبتكرة» وغير «حقيقية»، كان الرد أن سرد الوقائع الخيالية قد يقصر عن بلوغ مرتبة الأدب، وبأن رصد الواقع وتسجيله قد يبلغ هذه المرتبة، بل وقد يفوق الخيال في إحداث تأثيره! فإذا قيل أخيرا إن المسألة تتوقف في النهاية على «الطريقة» التي يروى بها هذا أو ذاك، وعلى الأسلوب الذي يتخذه الكاتب، كان الرد أن الطريقة وحدها لا تكفي، وفي الصنعة «أداة» يستخدمها الفنان لنقل «رؤية» أو «تجربة» ولا مكان للأداة دون الرؤية، ولا للرؤية دون الأداة!
كيف نعرف الأدب إذن؟ وهل يتضمن تعريفنا له تعريفا للغة التي تستخدم في كتابته؟ لا شك أن معظم الملامح التي يشير إليها من يتصدى لتعريف الأدب يمكن رصدها فيما اتفق على أنه أدب ، ولكن تعريفنا للأدب يتغير على مر العصور، وإن كان ثمة ثوابت في هذا التعريف إلى جانب المتغيرات! فهل اللغة من الثوابت أم من المتغيرات؟ إن النظرة الحديثة تؤكد أن استخدام اللغة في الأدب يختلف عن استخدامها في العلم مثلا أو في الحياة اليومية رغم أن المادة اللغوية نفسها لا تتغير! ولذلك وجدنا أن المعايير التي تقاس بها الأنماط اللغوية المستخدمة في الأدب تتفاوت بتفاوت العصور وتفاوت الأنواع الأدبية. مثلما اللغة بصفة عامة من عصر إلى عصر، ومثلما يتغير مفهومنا للأدب من عصر إلى عصر. فما كان نقاد الماضي يعتبرونه أدبا في عصور الانحطاط (من نهاية العصر العباسي الثاني حتى فجر النهضة الحديثة) لم يعد له شأن كبير بيننا، وإن كنا نجد في بعضه ما يتفق وتعريفنا للأدب! وكثير مما أهمله التاريخ الأدبي يعود «اكتشافه» اليوم وإقراره بيننا؛ فكل عمل أدبي يضيف إلى جسد الأدب العالمي ما يجعلنا نغير من مفهومنا للأدب فنعيد تقييمنا للأدب القديم نفسه على ضوء هذا المفهوم! وهذا هو ما قاله ت. س. إليوت
T. S. Eliot
في مطلع هذا القرن، وما عاد تيري إجيلتون
Terry Eagleton - رغم عدائه السافر لإليوت - ليؤكده بعد نصف قرن من الزمان! فالأدب ذو ألوان متعددة وصور لا حصر لها، وإخراج تعريف جامع مانع له من المحال! ولذلك فنحن لا نستطيع حصر خصائص اللغة التي يكتب بها الأدب؛ لأنها ليست لغة واحدة، بل هي تتفاوت من نوع أدبي إلى نوع آخر، ومن عصر اتخذ فيه هذا اللون شكلا معينا إلى عصر تغير فيه هذا الشكل، ولأن العمل الأدبي نفسه قد يضمن ألوانا مختلفة من المستويات اللغوية، بل قد تشترك بعض هذه المستويات مع لغة العلم التي شاع عنها جفافها وجفاؤها وتحديد مدلولات ألفاظها وتوحد هذه الدلالات ودقتها. إذ قد نجد في مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة إشارة أو تعبيرا فلسفيا دقيقا، أو ذكرا لحقائق علمية مصوغة صياغة دقيقة لا تقبل الإيحاء ولا تعدد الدلالات ولا ظلال المعاني (وهي الصفات التي كثيرا ما نميز بها لغة الأدب عن لغة العلم). وقد نجد في مسرحية مشهدا يدور الحوار فيه بصورة واقعية تحاكي لغة الحياة اليومية وتبدو في عريها من ملامح «لغة الأدب» كأنها نقل مباشر من الحياة لم يعمل الفنان فيه خياله أو قوته التشكيلية أو الإبداعية على الإطلاق، بينما هو في موقعه في المسرحية زاخر بالدلالة، عامر بالإيحاء، عميق المعنى والمبنى.
تنوع أشكال الأدب في العصر الحديث إذن، وتغير تعريف الأدب تبعا لذلك، هو السبب في تغير مفهومنا للغة التي يكتب بها الأدب أو ما كنا نسميه «لغة الأدب»، ومعنى هذا - بإيجاز - أن اللغة المستخدمة في الأدب لا تختلف عن لغة الحياة، وإن كانت بعض الأنواع الأدبية تتطلب مستويات خاصة من اللغة، خصوصا ذلك النوع الأدبي الذي اتفقنا على تسميته بالشعر، ففي هذا النوع بالتحديد، أو في أنواع خاصة من هذا النوع بتحديد أدق، تختلف الأبنية اللغوية لفظا وتركيبا ودلالة عن لغة الحياة العادية ليس فقط بسبب «النظم» (فالشعر كما أفهمه يكتب نظما) وليس فقط بسبب القافية (فكثير من ألوان الشعر مقفاة)، ولكن بسبب «الضغط» أو التكثيف الذي تتميز به لغة ذلك الفن الأدبي الخاص.
Página desconocida
ولكن هذا الاستدراك ليس استدراكا مطلقا هو الآخر! فالنظم ليس قالبا خارجيا جاهزا جامدا تصب فيه الكلمات، بل هو موسيقى لفظية تختلف باختلاف الكلام نفسه، ولو كان من نفس البحر ومن نفس اللغة، وقد ضربت أمثلة لذلك في كتابي، النقد التحليلي، المشار إليه. وكذلك الحال بالنسبة للقافية وسائر «خصائص» لغة الشعر الغنائي من صور فنية وحيل بلاغية، وما إلى ذلك. كما أن مفهوم اللغة الشعرية، أي اللغة التي قد تختلف عن لغة الحياة العادية، قد تعرض للهجوم والطعن هو الآخر (ولم يعد من القضايا التي لا خلاف عليها) منذ بداية الحركة الرومانسية الإنجليزية، وإصرار شيخ شعراء الرومانسية، وليم وردزورث، على إزالة الحواجز بين لغة الشعر
diction
ولغة النثر أو لغة الحياة اليومية، مقوضا بذلك ركنا ركينا من أركان الكلاسيكية الجديدة، وقد تعرضت لهذا في مقدمتي لديوان الشاعر بهاء جاهين «الرقص في زحمة المرور »، ولا أعتقد أنه أصبح من القضايا التي تحتاج إلى إعادة الطرح.
فإذا تركنا الشعر الغنائي بمشاكله الكثيرة المتداخلة، وتأملنا اللغة التي يكتب بها النثر الأدبي بمستوياتها المتعددة لأدركنا الصعوبة التي يواجهها مترجم العمل الأدبي الحديث إلى العربية؛ إذ إنه يواجه أحيانا نصوصا تتضمن مستويات لغوية لا يمكن أن يتقبلها القارئ الذي اعتاد اللغة الجزلة التي اتسم بها تراث العربية الكلاسيكي، والتي يعترف بها وحدها أدبا! وهو - ثانيا - يواجه نصوصا تتحدث فيها الشخصيات «لغات» مختلفة؛ إذ كثيرا ما نرى لغة المؤلف وقد ابتعدت كل البعد عن المستويات اللغوية التي تستخدمها الشخصيات التي ابتدعها، سواء كان ذلك في المسرح أم في الرواية والقصة القصيرة، بل إن النقاد يعيبون على المؤلف توحيد اللغة التي يستخدمها هو ومن يتحدث على ألسنتهم أو من وجهة نظرهم في تلك الفنون الأدبية. بل إن هذا العيب يصبح نقصا بالغا في المسرح حيث يتوقع الجمهور أن تختلف اللغة التي يستخدمها المثقفون عن لغة رجل الشارع مثلا؛ فلا يعقل في إطار المذاهب الفنية الحديثة أن يتحدث نجار أو حداد مثلا - مهما بلغ امتياز الشخصي ومهما بلغت فطنته - نفس اللغة التي يتحدثها قاض أو طبيب أو مهندس، ولا أقول الأستاذ المتخصص في علم من العلوم.
وهذا هو مربط الفرس كما يقولون! فمعنى تعدد مستويات اللغة (أو حتى اختلافها «النوعي») هو اختلاف «أنواع» البلاغة التي نصادفها في كل مستوى. فليس من المنطقي أن نتوقع نفس الصيغ «البلاغية» من فم الإسكافي والصحفي، أو من فم ربة المنزل وأستاذ الجامعة، وكذلك فنحن لا نتوقع نفس المنهج «البلاغي» في حوار سائق التاكسي مع راكب ريفي، وفي حوار مدير المصلحة مع موظف لديه! وقد تعرض لهذا الموضوع عدد من النقاد الذين تخصصوا في مستويات اللغة، من أهمهم «إريك أورباخ»
Eric Auerbach
الألماني الذي كتب عدة دراسات قيمة عن مستويات البلاغة في الآداب الكلاسيكية القديمة وركز في كتابه
Mimesis (أي المحاكاة) على التفاوت بين التراجيديا والكوميديا في اللغة والحيل البلاغية المستخدمة، وإن كانت معظم نماذجه من الأدب اللاتيني، كما تعرض له كل من كتب عن لغة شيكسبير وتفاوت مستوياتها وأساليبها البلاغية . ولكننا ما زلنا في العالم العربي نرفض الاعتراف بأي مستويات بلاغية تخرج عن علوم الأقدمين (علوم البيان والبديع والمعاني وما إليها)، وننهج في تحليلنا للبلاغة منهجا شكليا ناقصا؛ وأنا أقول إنه ناقص لأنه لم يتسع بعد بالدرجة الكافية ليشمل الفنون الأدبية الجديدة التي عرفها العالم في العصر الحديث.
إن لدينا الآن تراثا حافلا بالعامية المصرية في المسرح يتضمن ضروبا منوعة من بلاغة الحديث الحي التي تنبع من السياق ومن تقابل بواطن الشخصيات واصطدامها وتصارعها بعضها مع البعض. وقد تبلغ كلمة واحدة يقولها زائر القاهرة الريفي لسائق التاكسي درجة من البلاغة لا مثيل لها في تراث العربية القديم، وقد نجد في حوار ربة المنزل مع بائع الخضر من البلاغة ما تقصر عنه الفصحى، وما لا يترجم إلى الفصحى إلا بشق النفس، وقد فعل ذلك المازني في العديد من كتبه. ولا أريد أن أسهب وأطيل؛ فالأنواع الأدبية الجديدة تتحدث عن نفسها، وتصوير الكاتب حوارا بين نفر من العامة أو تسجيله الدقيق لما يدور داخل نفوس الشخصيات قد يبلغ درجات عليا من البلاغة يندر أن نجدها في شعر الأقدمين.
لقد اختلف معنى البلاغة في عصرنا عما كان عليه في العصور الخوالي، وليس من المعقول أن نقتصر في تحليلاتنا البلاغية على ما أورده النقاد العرب الذين كانوا يستمدون أفكارهم ممن سبقهم ويبنون أحكامهم على شعر الماضي (أو على شعر زمانهم كما فعل الثعالبي في يتيمة الدهر) بعد أن اضطرتنا الأنواع الأدبية الجديدة إلى تعديل معاييرنا البلاغية. •••
Página desconocida
ينبغي أن ننفي عن أذهاننا إذن وجود لغة مستقلة للأدب؛ أي لغة موحدة يستطيع المترجم أن ينقل إليها شتى الأعمال الأدبية العالمية، بل أن نؤكد ضرورة هضم المترجم للنص الأدبي أولا للتحقق من نوع اللغة المستخدمة فيه ونوع البلاغة التي يستخدمها الكاتب قبل الشروع في الترجمة. وهذا يؤدي بنا إلى السؤال الثاني، وهو الهدف من الترجمة ووسيلة تحقيقه، أي منهج الترجمة الذي يصل بالمترجم إلى غايته .
أود أن أقرر في البداية أن النص الأدبي المترجم يعتبر عملا أدبيا جديدا، وما أجدرنا أن ننقل إلى مكتبتنا العربية عيون الأدب العالمي، بحيث يمكن الرجوع إليها والاعتماد عليها مثلما يرجع الإنجليز مثلا إلى ترجمات تشيخوف الإنجليزية عن الروسية التي أبدعتها كونستانس جارنيت، وترجمات إبسن الإنجليزية عن النرويجية مثلا (التي أخرجها وليم آرتشر)؛ فهذه الترجمات قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من تراث الإنجليزية، وأذكر أن رواية «ذئب الأحراش» للكاتب الألماني «هيرمان هسه» لم يكتب لها النجاح إلا عندما ترجمت إلى الإنجليزية وانتشرت في أرجاء العالم المتحدث بالإنجليزية، حتى لقد بيع منها في الستينيات خمسة ملايين نسخة، وأثرت على جيل كامل من الشباب الذي كان ما يزال يعاني من آثار ما بعد الحرب ويناقش القضايا الاجتماعية الساخنة التي برزت إلى السطح في تلك الآونة. وأذكر أنني كنت أقرؤها جنبا إلى جنب مع روايات «جورج أورويل» (مؤلف رواية «مزرعة الحيوانات» ورواية «1984» و«لتحيا زهرة الصبار» وغيرها) دون أن أشعر أن «هسه» ألماني و«أورويل» إنجليزي (واسمه الحقيقي إريك بلير، ولغته الأولى الإنجليزية)، كما كنت أقرأ مسرحيات الكاتبة الفرنسية «مارجريت دورا» المترجمة إلى الإنجليزية بعد أن احتلت مكانا راسخا بين المؤلفين المسرحيين الإنجليز دون أن أشعر بأن أصلها فرنسي.
إذا كان الهدف هو إخراج عمل أدبي جديد، فلا بد أن يقرر المترجم (وهو في أحسن حالاته أديب مبدع) ما إذا كان سيرمي إلى إخراج المقابل - الذي قد يرقى إلى مستوى المثيل - أم إلى إخراج البديل؟ فما هو المقابل وما هو البديل؟ إن المترجمين يلجئون عادة إلى المقابل أولا، فإذا تعثرت جهودهم لجئوا إلى البديل. أما المقابل فهو إيجاد ما يقابل الفن الأسلوبي المحدد في لغة ما من فنون أسلوب اللغة المنقول إليها؛ فلغات الأرض الحية تشترك في بعض الخصائص التي يمكن الموازنة بينها وإقرار توازيها، مثل حيل الصنعة العامة، كالوزن والقافية في الشعر. فالمترجم الذي يطمح في إيجاد المقابل لقصيدة غنائية
Lyric (أي قصيدة قصيرة تتميز بالموسيقى الغلابة ويتحدث فيها الشاعر بضمير المتكلم ويستخدم فيها الصور البسيطة واللغة السلسة أيا كان الموضوع الذي يطرقه)، يحاول أن يقدم لنا صورة عربية للقصيدة تتميز بخصائص النظم والقافية في العربية لا في الإنجليزية. وهذا لا شك عسير، ولكنه ممكن. وربما اضطر المترجم هنا إلى الخروج عن حرفية النص الأصلي لتقديم هذه المقابلات، بل قد يقدم قصيدة تبتعد في بعض تفاصيلها الهامشية عن القصيدة الأصلية للحفاظ على الوزن والقافية إذا كانت هاتان السمتان أهم عناصر القصيدة الأصلية، بحيث إذا أغفلتا ضاعت القصيدة. ولكن أهمية الوزن والقافية تتفاوت من قصيدة إلى أخرى في الشعر الغنائي مع أنهما دائما من سماته الأساسية، وهما يميزان هذا اللون من الشعر عن الشعر القصصي (كشعر الملاحم) أو الشعر المسرحي.
وأقرب الأمثلة إلى ذهني ترجمات زاخر غبريال - وهو شاعر لم ينل حظه من الشهرة ولا نال كتابه «روائع من الشعر الإنجليزي» (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1979م) ما هو خليق به من تكريم - وها هي الأبيات الأولى من قصيدة
Ode to a Nightingale (أنشودة إلى البلبل) التي أبدعها شاعر الإنجليزية جون كيتس:
My heart aches and a drowsy numbness pains
My sense, as though of hemlock I had drunk
Or emptied some dull opiate to the drains
One minute past, and Lethe-wards had sunk
Página desconocida
ما لقلبي يتنزى سقما،
ولحسي بات يرعى الألما!
أتراني قد شربت الموت سما،
أو رشفت الخمر نارا حمما!
لحظة مرت .. فإذا بي قد نسيت الكون طرا،
ومضت في عالم الأحلام بي الدنيا.
لا شك أن قارئ الأبيات العربية سوف يستجيب على الفور إلى الإيقاع العربي الأصيل والقافية السلسة غير المفتعلة بحيث يتشرب روح النص الأصلي وينفذ إلى جوهره معنى ومبنى. وفي رأيي أنه لو لم يكن الدكتور زاخر غبريال شاعرا مفطورا ما استطاع أن يبدع هذه الترجمة الرائعة التي تستند إلى مصطلح اللغة العربية وتقدم المقابل الصادق حتى وإن اختلفت في كلمة أو كلمتين عن النص الإنجليزي.
ولقد حاولت منذ عدة سنوات أن أقدم المقابل (الذي قد يرقى إلى المثيل) لقصيدة وردزورث الشهيرة التي يسميها النقاد قصيدة «الرثاء الرفيع» وهي:
A slumber did my spirit seal;
I had no human fears:
Página desconocida
She seemed a thing that could not feel
The touch of earthly years. •••
No motion has she now, no force;
She neither hears nor sees,
Rolled round in earth’s diurnal course
With rocks and stones and trees.
فوجدت أن الفقرتين تمثلان التقابل بين لحظتين من لحظات الوعي لدى الشاعر: الأولى لحظة نعاس غفل فيها عن الحقيقة، وهي أن البشر فانون، وذلك لفرط جمال الطفلة التي يرثيها أو لفرط حبه لها؛ إذ بدت له من طينة غير بشرية ، فمحت من نفسه مخاوف الفناء، أو كما يقول بدا أنها لا يمكن أن تمسها يد السنين الأرضية! أما اللحظة الثانية فهي لحظة صحو الشاعر على الحقيقة حين اكتشف أنها فقدت القدرة على الحركة، وفقدت معها قوة الأحياء، ولم تعد تسمع أو تبصر، بل أصبحت جزءا من الأرض تدور معها دورتها اليومية في صحبة الصخور والأحجار والأشجار (انظر شرح هذه القصيدة في كتابي «الأدب وفنونه» المشار إليه، ص63-65).
وهذا التقابل يتطلب فقرتين مستقلتين. أما عن البحر المستخدم فهو بحر الأيامب، الذي يتفاوت الشطر فيه طولا بين أربع تفعيلات في الشطور الفردية وثلاث تفعيلات في الشطور الزوجية. وتأثير هذا التفاوت واضح؛ فالشطران الثاني والرابع من الفقرة الأولى مثلا ينتهيان نهاية مقتضبة، وتنتهي الجملة نحويا عند نهاية كل منهما بينما يتصل الشطر الثالث نحويا بالشطر الرابع. وكذلك فإن القافية تختلف من فقرة إلى فقرة إلى الشطور الزوجية وتتصل إلى حد ما في الشطور الفردية. ولذلك حاولت مراعاة ذلك عند تقديم المقابل بالعربية:
ختم النعاس على روحي وغيبها،
ومحا مخاوف البشر،
Página desconocida
فبدت لعيني فتاة ليس تلمسها
يد السنين والقدر.
فالآن قد سكنت والقوة اندثرت،
ومضى زمان السمع والبصر،
وغدت تدور ببطن الأرض دورتها
كالصخر والأحجار والشجر!
وسوف يلاحظ القارئ زيادة كلمة «القدر» في الشطر الرابع، وحذف كلمة «أرضية». وربما كان هذا من باب التفسير الخاص للنص (انظر مقدمتي لترجمة «تاجر البندقية»)، ولكن يضبط التوازي بين الشطرين الثاني والرابع في الوزن والقافية جميعا. كما سيلاحظ القارئ حذف كلمة «اليومية» وصفا لدورة الأرض في الشطر السابع من القصيدة، كما سيلاحظ تغيير الحرف «مع» في الشطر الأخير إلى حرف الكاف، وهذا يرجع ولا شك إلى الإحساس بأن الصحبة هنا تفيد التشبيه كما نص على ذلك الناقد الأشهر أ. أ. ريتشاردز
I. A. Richards
في كتابه: فلسفة البلاغة
Of Rhetoric .
Página desconocida
إننا إذن أمام قصيدة عربية جديدة تنقل الصور الأساسية والمفارقة، بل والصور الثانوية، في النص الأصلي في بناء شعري مستقل يعتمد على مصطلح اللغة العربية؛ فالترجمة لا تقول «ليس لديها الآن حركة ولا قوة » فهذا ركيك، ولا تقول «إنها الآن لا تسمع ولا تبصر» خشية الإيحاء بالدلالة الدينية المعروفة
إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر [مريم: 42)]،
قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46]،
لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [الملك: 10]، والله هو السميع البصير. ولذلك فإن الترجمة تحاشت هذه الدلالة التي تضرب بجذورها في أعماق اللغة العربية، واختارت مصطلحا ينقل المعنى دون أن يلقي بظلال لا داعي لها على الصورة.
ولكن أهم ما تتسم به الترجمة المقابلة في نظري هو الموازنة في البحر المستخدم. فالبيت الأول من أربع تفعيلات، وإن كان يختلف عن بحر البسيط التقليدي في أنه يوازي بين مستفعلن ومتفاعلن (أي بين تفعيلة الرجز وتفعيلة الكامل)، وكذلك البيت الثالث. أما البيتان الثاني والرابع فهما يلتزمان بتفعيلة الرجز المزاحفة (متفعلن). وكذلك الشأن في الفقرة الثانية التي تحافظ على التوازي بين الشطور رغم هذه الحرية في فهم الخلاف والاتفاق بين الرجز والكامل (انظر كتاب «مدخل رياضي إلى العروض العربي» للدكتور أحمد مستجير، القاهرة، 1986م).
وينطبق هذا على سائر ألوان الشعر الغنائي؛ إذ أحيانا ما يضطر المترجم إلى ما درجنا على تسميته ب «التصرف»، أي مقابلة كل بيت ببيتين، أو كل بيتين بثلاثة، أو كل ثلاثة بأربعة أو خمسة، وهلم جرا، حتى يخرج الإيقاع الشعري المقابل. ولا أقصد بالإيقاع هنا «البحر» المحدد الذي يستخدمه الشاعر، بل الموسيقى الداخلية والخارجية جميعا، وهو هنا - كما قلت من قبل - إيقاع اللغة العربية لا الإنجليزية ولا إيقاع أي من اللغات المنقول منها. وسوف أورد هنا عدة نماذج لترجمة قصيدة واحدة، هي السونيت رقم 18 للشاعر وليم شيكسبير. وهذا هو النص الإنجليزي أولا:
Shall I compare thee to a summer's day?
Thou art more lovely and more temperate!
Rough winds do shake the darling buds of May,
And summer's lease hath all too short a date. •••
Página desconocida
Sometimes too hot the eye of heaven shines,
And often is his gold complexion dimmed,
And every fair from fair sometimes declines,
By chance, or nature's changing course untrimmed. •••
But thy eternal summer shall not fade
Nor lose possession of that fair thou owest,
Nor shall death brag thou wanderest in his shade,
When in eternal lines to time thou growest. •••
So long as men can breathe, or eyes can see,
So long lives this, and this gives life to thee.
Página desconocida
ولن أرهق القارئ بتحليله والتعليق عليه، ولكنني سأورد النصوص الثلاثة (وكلها منظوم، وكلها يستخدم ضربا من القافية، وكلها يحاول الإبقاء على الصور الأصلية في قصيدة شيكسبير)، ثم أعلق عليها تعليقات سريعة:
1
هلا أقول بأن فتونك أشبه شيء بصيف جميل؟
فأنت تفوقينه فتنة ويزدان فيك لطيف اعتدال،
تهز الرياح زهور الربيع،
وللصيف ضيف قصير المقام،
وحينا تحرق عين السماء،
وتشحب حينا كأهل السقام،
ولا بد يوما لكل بهاء وداع البهاء،
فإن لم يكن عرضا موته، فشوط الحياة أسير الفناء.
Página desconocida
على أن صيفك لن يذبلا، فذلك خلد لا للبلى،
وما فيك من رونق ملكه، إليه انتهى لا لكي يفصلا،
ولن يفخر الموت أن قد رآك تجرين خطوك في ظله؛
فأنت قصيدي الذي لن يزول،
فما دام في الكون خلق يرون ويسري بهم نفس من حياة،
فذلك يحيا وتسري لنفسك منه الحياة. (حسين دباغ، مجلة أصوات، 1961م)
2
ألا تشبهين صفاء المصيف؟
بلى أنت أحلى وأصفى سماء!
ففي الصيف تعصف ريح الذبول،
Página desconocida
وتعبث في برعمات الربيع،
ولا يلبث الصيف حتى يزول. •••
وفي الصيف تسطع عين السماء،
ويحتدم القيظ مثل الأتون،
وفي الصيف يحجب عنا السحاب
ضياء السما وجمال ذكاء،
وما من جميل يظل جميلا،
فشيمة كل البرايا الفناء. •••
ولكن صيفك ذا لن يغيب،
ولن تفقدي فيه نور الجمال،
Página desconocida
ولن يتباهى الفناء الرهيب
بأنك تمشين بين الظلال
إذا صغت منك قصيد الأبد! •••
فما دام في الأرض ناس تعيش،
وما دام فيها عيون ترى،
فسوف يردد شعري الزمان،
وفيه تعيشين بين الورى. (محمد عناني، صحيفة المساء، 1962م)
3
من ذا يقارن حسنك المغري بصيف قد تجلى؟
وفنون سحرك قد بدت في ناظري أسمى وأغلى،
Página desconocida
تجني الرياح العاتيات على البراعم وهي جذلى
والصيف يمضي مسرعا؛ إذ عقده المحدود ولى. •••
كم أشرقت عين السماء بحرها تتلهب!
ولكم خبا في وجهها الذهبي نور يغرب!
لا بد للحسن البهي عن الجميل سيذهب؛
فالدهر تغيير وأطوار الطبيعة قلب. •••
لكن صيفك سرمدي ما اعتراه ذبول،
لن يفقد الحسن الذي ملكت فهو بخيل،
والموت لن يزهو بظلك في حماه يجول،
ستعاصرين الدهر في شعري وفيك أقول: •••
Página desconocida
ما دامت الأنفاس تصعد والعيون تحدق
سيظل شعري خالدا وعليك عمرا يغدق. (فطينة النائب، من كتاب «فن الترجمة» للدكتور صفاء خلوصي ، 1986م)
ولا أريد الإفاضة في المقارنة؛ فأنا أفضل الترجمة الأخيرة رغم إضافاتها الكثيرة إلى نص شيكسبير بسبب إيقاعها المتئد (الكامل)، ورصانة مصطلحها العربي، ولا غرو؛ فالمترجمة شاعرة مفطورة، ولا شك أنها أفادت كثيرا من ممارستها فن الشعر في التحكم في عدد الأبيات وإحكام القافية. وأعترف أنني ترددت طويلا قبل أن أدرج ترجمتي التي تمثل مرحلة مبكرة من مراحل عملي في هذا الحقل. (إذ إنني كنت حريصا كل الحرص على إخراج نص شيكسبير دون زيادة أو نقصان، مما استتبع زيادة عدد الأبيات وعدم انتظام القافية)، ولكنني رأيت إدراجها آخر الأمر حتى يستطيع القارئ المقارنة وإدراك مرماي من عرض نظرتي الخاصة بالمقابل الذي قد يرقى وقد لا يرقى إلى مرتبة المثيل. وإن كان ثمة مأخذ على أي منها فهو عدم استقامة وزن البيت الأول في ترجمة حسين دباغ، وربما كان السبب خطأ مطبعيا.
نشدان المقابل إذن معناه محاكاة الصفات الشكلية والأسلوبية للعمل المترجم إلى جانب التقيد بالمعاني والصور، مما يتطلب الخبرة الواسعة بالطرائق الأسلوبية في اللغة المترجم إليها، ويقتضي قدرا من الموهبة في الصياغة والتركيب.
ولكن ضروب الشعر الأخرى - أي الشعر القصصي والدرامي - قد لا تتطلب مثل هذا العناء؛ لأن الدور الذي يلعبه الوزن والقافية فيها محدود إلى درجة كبيرة، بل إن أهم ألوان الشعر المستخدم فيها في الأدب الإنجليزي مثلا هو النظم غير المقفى
Blank Verse
وهو نظم لا تلعب فيه الموسيقى دورا كبيرا، وكثيرا ما يحس القارئ أنه أقرب إلى النثر منه إلى النظم. فمعظم نماذجه تعتمد على النظام الكمي؛ أي على تماثل عدد المقاطع في كل بيت لا على الانتظام الإيقاعي المحكم الذي نشهده في الشعر الغنائي، وذلك رغم أن عمود النظم الإنجليزي نبري وليس كميا. وأعتقد أن هذه مسألة تحتاج إلى إيضاح.
إن النظم في الأدب الأوروبي الحديث (أي منذ نشوء اللغات الأوربية المستقلة التي نعرفها اليوم) يختلف عن النظم في اللغات القديمة - كاليونانية واللاتينية - في أنه لا يعتمد على عدد المقاطع وطولها، بل على تتابع المقاطع المنبورة وغير المنبورة في كل بيت، بحيث تشكل كل مجموعة من هذه المقاطع تفعيلات يسميها الإنجليز «أقداما» (
feet ) باعتبارها «مقاييس» يقاس بها النظم. وأشهر البحور المستخدمة في النظم الإنجليزي قاطبة هو بحر الأيامب المستمد من تراث اليونانية القديم، ويتكون من مقطعين؛ الأول غير منبور والثاني منبور، ولكن أنواع الزحاف التي تدخل على هذا البحر قد تطمس الإيقاع المنتظم الذي يتميز به الشعر الغنائي، بل كثيرا ما يحار القارئ في تحديد نوع البحر المستخدم لزيادة الزحافات في الشطر الواحد عن التفعيلات المستقاة من البحر الأصلي! ولدى الإنجليز بحور أخرى بطبيعة الحال، ولكن كثرة استخدامها في سياق بحر الإيامب يتيح للشعراء كسر «الانتظام» (فهم يعتبرون الانتظام رتابة ويسعون جادين للتغلب عليه)، وتجعل المحك الوحيد هو عدد التفعيلات في البيت الواحد؛ أي العودة إلى النظام الكمي.
وقد خرج على هذا النظام بعض الشعراء المحدثين مثل ت. س. إليوت، ومن تبعه من شعراء القرن العشرين، فاستحدثوا نظاما جديدا يعتمد على عدد المقاطع المنبورة في البيت الواحد، بغض النظر عن عدد المقاطع في البيت كله، وإن كان هذا النظام هو المتبع في شعر الإنجليزية القديمة
Página desconocida