هكذا. وجميع ما يحتاجون به على دوام الفاعل والفاعلية والزمان والحركة وتوابع ذلك فإنما يدل على قدم نوع ذلك ودوامه، لا قدم شيء معين ولا دوام شيء معين. فالجزم بأن مدلول تلك الأدلة هو (العلم) بهذا أو شيء منه، جهل محض، لا مستند له، إلا عدم العلم بموجود غير هذا العالم. ودم العلم ليس علمًا بمعلوم.
ولهذا لم يكن ند القوم إيمان بالغيب الذي أخبرت به الأنبياء، فهو لا يؤمنون لا بالله ولا بملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا البعث بعد الموت. وإذا قالوا: نحن نثبت العالم العقلي أو المعقول الخارج عن (العالم) المحسوس وذلك هو الغيب. فإن هذا وإن كان قد ذكره طائفة من المتكلمة فالمتفلسفة، خطأ وضلال، فإن ما يثبتونه من المعقولات، إنما يعود عند التحقيق إلى أمور مقدرة في الأذهان لا موجودة في الأعيان.
والرسل أخبرت عما هو موجود في الخارج، وهو أكمل وأعظم وجودًا مما نشهده في الدنيا. فأين هذا من هذا، وهم لم كانوا مكذبين بما أخبرت به الرسل، قالوا: إن الرسل قصدوا إخبار الجمهور بما يتخيل إليهم، لينتفعوا بذلك في العدل الذي أقاموه لهم، ثم منهم من يقول: إن الرسل عرفت ما عرفناه من نفي هذه الأمور. ومنهم من يقول بإن لم يكونوا يعرفون هذا وإنما كان كمالهم في القوة العملية لا النظرية. وأقل أتباع الرسل إذا تصور حقيقة ما عندهم وجده مما لا يرضى به قل تباع الرسل.
وإذا علم بالأدلة العقلية أن هذا العالم يمتنع أن يكون شيء منه قديمًا أزليًا، وعلم بأخبار الأنبياء المؤيدة بالعقل أنه كان قبله عالم آخر منه خلق، وأنه سوف يستحيل وتقوم القيامة، ونحو ذلك، علم أن عامة ما عندهم
2 / 56