فيه سلفهم، ونازعوهم فيه نزاعًا لفظيًا، ولم يأتوا بفرق صحيح معقول فإن تخصيص اسم الجوهر بما ذكروه أمر اصطلاحي، وأولئك يقولون بل هو (كل ما) ليس في موضوع كما يقول المتكلمون، كل ما هو قائم بنفسه، أو كل ما هو متحيز، أو كل ما قامت به الصفات، أو كل ما حمل الأعراض، ونحو ذلك. وأما الفرق المعنوي فدعواهم أن وجود الممكنات زائد على ماهيتها في الخارج باطل. ودعواهم أن الأول وجود مقيد بالسلوب أيضًا باطل، كما هو مبسوط في موضعه. والمقصود هنا الكلام على البرهان.
فيقال هذا الكلام وإن ضل به طوائف؛ فهو كلام مزخرف، وفيه من الباطل (ما يطول) وصفه، لكن ننبه هنا على بعض ما فيه، وذلك من وجوه:
الأول: أن يقال إذا كان البرهان لا يفيد إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق في الأذهان لا في الأعيان، وليس في الخارج إلا وجود معين، لم يعلم بالبرهان شيء من المعينات، فلا يعلم به موجود أصلًا، بل إنما يعلم به أمور مقدرة في الأذهان، ومعلوم أن النفس لو قدر أن كمالها في العلوم فقط، وإن كانت هذه قضية كاذبة، كما بسط في موضعه، فليس هذا علمًا تكمل به النفس، إذ لم تعلم شيئًا من الموجودات، ولا صارت عالمًا معقولًا موازيًا للعالم الموجود بل صارت عالمًا لأمور كلية مقدرة، لا نعلم بها شيئًا من العالم الموجود، وأي خير في هذا، فضلًا عن أن يكون كمالًا.
والثاني: أن يقال أشرف الموجودات هو واجب الوجود، ووجوده
2 / 49