وأما العلوم البرهانية الكلية اليقينية والعلوم الإلهية فلم يكونوا من رجالها. وقد تبين ذلك نظار المسلمين في كتبهم وبسطوا الكلام عليهم، وذلك أن كون كل خمر حرامًا، هو مما علمه المسلمون. فلا يحتاجون إلى معرفة ذلك وإنما شك بعضهم في أنواع من الأشربة المسكرة كالنبيذ المصنوع من العسل والحبوب وغير ذلك، كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنه قال لرسول الله ﷺ: عندنا شراب مصنوع يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال له المزر، قال- وكان أونى جوامع الكلم- فقال: كل مسكر حرام، فأجابهم ﷺ، بقضية كلية بين بها أن كل ما يسكر فهو محرم. وبين أيضًا أن كل ما يسكر فهو خمر، وهاتان قضيتان كليتان صادقتان متطابقتان، العلم بأيهما كان موجب العلم بتحريم كل مسكر إذ ليس العلم بتحريم مسكر يتوقف على العلم بهما جميعًا، فإن من علم أن النبي ﷺ قال: كل مسكر حرام، وهو من المؤمنين به، علم أن النبيذ المسكر حرام، ولكن قد يحصل الشك هل أراد القدر المنكر. أو أراد جنس المسكر، وهذا شك في مدلول قوله، فإذا علم مراده- ﷺ، علم المطلوب، وكذلك إذا علم أن النبيذ خمر والعلم بهذا أوكد في التحريم فإن نمن يحلل النبيذ المتنازع فيه، لا يسميه خمرًا، فإذا علم بالنص أن كل مسكر خمر كان هذا وحده دليلًا على تحريم كل مسكر عند أهل الإيمان ال ١ ين يعلمون أن الخمر محرم، وأما من لم يعلم تحريم الخمر، لكونه لم يؤمن بالرسول. فهذا لا يستدل بنصه، وإن علم أن محمدًا رسول الله ﷺ ولكن لم يعلم أنه حرم الخمر فهذا لا ينفعه قوله: كل مسكر خمر، بل ينفعه قوله: كل مسكر حرام "وحينئِذ يعلم بهذا تحريم الخمر،
2 / 37