تاما بحيث يتبين التصور التام اللوازم التي لا تتبين لمن يتصوره، وكون الوسط الذي هو الدليل قد يفتقر إليه في بعض القضايا بعض الناس دون بعض، أمر بين فإن كثيرًا من الناس تكون عنده القضية حسية أو مجربة أو برهانيه أو متواترة. وغيره إنما عرفها بالنظر والاستدلال. ولهذا كثير من الناس لا يحتاج في ثبوت المحمول للموضوع إلى دليل لنفسه، بل لغيره، ويبين ذلك لغيره، بأدلة هو غني عنها، حتى يضرب له أمثالًا.
وقد ذكر المناطقة أن القضايا المعلومة بالتواتر والتجربة والحدس يختص بها من علمها ولا تكون حجة على غيره بخلاف غيرها، فإنها مشتركة يحتج بها على المنازع، وهذا تفريق فاسد، وهو أصل من أصول الإلحاد والكفر. فإن المنقول عن الأنبياء بالتواتر من المعجزات وغيرها، يقول أحد هؤلاء- بناء على هذا الفرق- هذا لم يتواتر عندي فلا تقوم به الحجة على وليس ذلك بشرط، ومن هذا الباب إنكار كثير من أهل البدع والكلام والفلسفة لما يعلمه أهل الحديث من الآثار النبوية، فإن هؤلاء يقولون: إنها غير معلومة لنا كما يقول من الكفار: إن معجزات الأنبياء غير معلومة له. وهذا لكونهم لم يعلموا السبب الموجب للعلم بذلك، والحجة قائمة عليهم تواتر عندهم أم لا.
وقد ذهب الفلاسفة أهل المنطق إلى جهالات قولهم: إن الملائكة هي العقول العشرة، وأنها قديمة أزلية، ةأن العقل رب ما سواه، وهذا شئ لم يقل مثله أحد من اليهود والنصارى ومشركي العرب، ولم يقل أحد: إن ملكًا من الملائكة رب العالم كله، ويقولون: إن العقل الفعال مبدع كل ما نحت فلك القمر، وهذا أيضًا كفر لم يصل إليه أحد من كفار أهل الكتاب
2 / 31