Las raíces filosóficas del estructuralismo
الجذور الفلسفية للبنائية
Géneros
G. Bachelard » الذي أنكر وجود خط متصل من التقدم في المعرفة العلمية، وذهب إلى أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء وعقبات تقف في وجه المعرفة بقدر ما هو تاريخ إنجازات ناجحة. بل إن الماركسية ذاتها، برغم ارتباطها القوي بالنزعة التاريخية، تنطوي على الفكرة القائلة بوجود نقاط انقطاع وانفصام في التاريخ البشري. وفضلا عن ذلك؛ فليس من الضروري أن يكون الأساس الذي يبنى عليه التفسير سابقا، من الوجهة الزمنية. فهناك غايات معينة تستهدف المستقبل، وتكون - في المجال الإنساني - نوعا خاصا من العلية تتطلع إلى الأمام، لا إلى الخلف. وهذه مسألة ظهرت في الماركسية التي يرتكز جانب كبير من دعوتها الأيديولوجية على نوع من العلية المتطلعة إلى المستقبل، هي تحقيق مجتمع بلا طبقات.
ولكن البنائية كانت هي التي أوقفت، بطريقة حاسمة، هذا التيار الطاغي للنزعة التاريخية، أو على الأقل قضت على ادعائها احتكار القدرة على تفسير الظواهر البشرية؛ فقد استعاضت البنائية عن النظرة الشائعة إلى تقدم الروح الإنسانية، وهي النظرة التي تمثل هذا التقدم على أنه تراكم تدريجي لمكتسبات يضاف الجديد منها إلى القديم إضافة خارجية، بتصور آخر تكون فيه الأفكار الجديدة مجرد توسيع لأفكار سبق ظهورها من قبل، وإن كانت قد اتسمت في البدء بالبساطة والبدائية. فالعقل الإنساني لا يسير في طريقه بطريقة جيولوجية، إذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير؛ أي إنه لا يضيف طبقة من المعرفة فوق طبقة أخرى، وإنما يسير بطريقة عضوية، يعيد فيها تمثل القديم بطريقة أصعب وأعقد، ويحتفظ فيها ببنائه القديم، وإن كان يدرك خلال تطوره أن هذا البناء، الذي كان يعد صحيحا صحة مطلقة في وقت مضى، لا يمثل إلا جانبا من الحقيقة، هو ذلك الجانب الذي كان عقلنا يستطيع بلوغه في ذلك الوقت.
وفي وسعنا أن نربط بين معارضة البنائية للنزعة التجريبية ومعارضتها للنزعة التاريخية، في هذه النقطة بالذات، فنقول إن تصور التقدم البشري بأنه تراكم تدريجي لمكتسبات تتجدد على الدوام، وهو التصور المميز للنزعة التاريخية، ينطوي على وجه من أوجه النزعة التجريبية؛ إذ يصبح التقدم عندئذ حصيلة وقائع تجريبية تضاف كل منها إلى الأخرى مكونة طبقات متراكمة بعضها فوق بعض. وفي مقابل ذلك، ترفض البنائية كلا من النزعتين التاريخية والتجريبية؛ إذ تستعيض عن التصور السابق بتصور آخر يظل فيه العقل البشري متضمنا صورا أو قوالب أو عمليات ثابتة، وإن كنا لا نكف عن إعادة النظر فيها، وعن توسيعها وتعقيدها، أي إن كل تقدم يظل محتفظا بالنواة المركزية، مع إعادة تفسيره لها وفقا لمقتضيات العصر. وهكذا يمكن القول إن نوع التقدم الذي تعترف به البنائية هو ذلك الذي يرى أن طريق المستقبل يمر بالماضي، وأن الوصول إلى الغد يتم من خلال مراجعة ما تم بالأمس. فالبذور القديمة موجودة دائما، وكل ما نفعله هو أننا ننميها بطريقة جديدة.
والواقع أن كثيرا من الباحثين في تطور الحضارات قد اعترفوا بهذا المبدأ الذي تنادي به البنائية حتى قبل أن تعبر البنائية عن نفسها بوصفها مذهبا فكريا متميزا. فمنذ وقت بعيد لاحظ مؤرخو الحضارة أن كثيرا من ضروب التفكير العلمي والإبداع التكنولوجي التي عرفها العصر الحديث، ليست إضافة مطلقة لشيء لم يكن موجودا من قبل، بل هي تنمية لبذرة سبق ظهورها في عصور ماضية. وهكذا عرفنا، من تاريخ العلم والفلسفة، أن نظرية التطور كما ظهرت في القرن التاسع عشر إنما هي صياغة جديدة لفكرة نستطيع أن نعدها من البذور الثابتة في العقل البشري، نبتت عند أناكسيمندر في القرن السادس ق. م. وربما قبل ذلك أيضا، واتخذت أشكالا متعددة، إلى أن صيغت بالطريقة الحاسمة على يد دارون. ومثل هذا يقال عن فكرة الذرة التي بدأت من عهد ديمقريطس، واكتسبت أشكالا متباينة عند فلاسفة الإسلام وفلاسفة الغرب في العصور القديمة والوسطى والحديثة، إلى أن اتخذت شكلها العلمي في العهد القريب. وحين اخترعت أوربا البارود، كان الجميع يعلمون أن الصين قد استخدمته من قبل. وحين توصل «جيمس واط» إلى الطاقة التجارية، تنبه الكثيرون إلى أن المخترع الروماني «هيرو
Hero » قد عرف هذه الطاقة من قبل، وإلى أن ليوناردو دافنشي وضع تصميما لآلة تحركها طاقة البخار. وهكذا عرف الباحثون في تاريخ الأفكار وفي تاريخ الحضارات مئات الأمثلة التي تثبت أن مسار التقدم البشري يتخذ شكل تنمية وتطوير لمبدأ قديم يكاد يكون ثابتا، لا شكل إضافات خارجية جديدة كل الجدة. وأدركوا أن التصورات الأساسية التي نفهم بها عالمنا الحالي كانت موجودة من قبل، وإن كنا قد نميناها وعقدناها. وعرفوا أن طريق العقل البشري لا يمثل انتقالا من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، ولا يسير في خط مستقيم، كذلك الذي يقول به دعاة التقدم المستمر.
ومن السهل أن ندرك وجود فارق واضح بين هذا الموقف الذي اتخذته البنائية من فكرة التاريخ والتطور، وبين الموقف الذي ساد بوجه خاص في الأوساط الفلسفية الفرنسية في أوائل القرن العشرين، والذي يؤكد أن العصور اللاحقة تتجاوز تصورات العصور السابقة، بل تتخلى عنها نهائيا. وقد تمثل هذا الموقف الأخير في الفكرة التي اتخذ منها عالم الاجتماع الفرنسي «ليفي بريل
Lévi-Bruhl » محورا لأبحاثه، أعني فكرة وجود عقلية «قبل المنطقية
Mentalité pré-logique » لدى البدائيين، كما تمثلت في فكرة «مراحل العقل» عند ليون برنشفيج
Léon Brunscchvicg ، التي ينتقل فيها العقل العلمي الإنساني من مرحلة «الطفولة» إلى مرحلة النضج. هذه الأفكار تفترض انتقالا من الجهل التام إلى المعرفة الكاملة، وتصور تاريخ العقل البشري بأنه صعود مستمر إلى أعلى دون وجود أي عنصر مشترك بين القديم والجديد. وهذا ما ترفضه البنائية؛ لأنها تؤكد مفهوم «التوازي»
6
Página desconocida