Las raíces filosóficas del estructuralismo
الجذور الفلسفية للبنائية
Géneros
ومن النتائج الهامة لموقف المعارضة الذي وقفته البنائية من النزعة التجريبية، رفضها التام للنظرة التجريبية إلى علاقة الجزء بالكل. فالتجريبيون يرون أن الأطراف في أية علاقة سابقون على العلاقة ذاتها، أي إن تجمع الأطراف هو الذي يضفي على العلاقة طابعها الخاص. ويستحيل تصور هذه العلاقة مستقلة عن الأطراف الداخلين فيها، على حين أن كلا من هذه الأطراف له استقلاله الخاص، ويمكن تصوره بمعزل عن العلاقة التي يدخل فيها، أي إن العلاقات كلها، في رأي النزعة التجريبية، خارجية. أما البنائيون فيرون أن العلاقة ليست مجرد مجموع لعناصر مستقلة قائمة بذاتها، بل إن هذه العناصر تخضع لقوانين تتحكم في بناء العلاقة التي تجمعها. وهذه القوانين تضفي على البناء سمات كلية تتميز عن سمات عناصره مأخوذة على حدة، كما تتميز عن مجموع هذه العناصر. ويضرب بياجيه مثلا لهذه الصفة بالأعداد الصحيحة في الحساب، فهذه الأعداد لا توجد بمعزل عن بعضها البعض، ولم يكتشف كل منها مستقلا بتعاقب عشوائي، بل إنها لا تظهر إلا في ترتيب معين، وهذا الترتيب يرتبط بسمات «بنائية» تختلف عن سمات الأرقام المنفردة.
4
وهكذا تنقد البنائية المبدأ الشائع بين التجريبيين، الذي يجعل أطراف العلاقة مستقلين عن العلاقة ذاتها، ويؤكد أن هؤلاء الأطراف أشبه ب «الذرات» القائمة بذاتها، والتي لا تتغير طبيعتها بدخولها في أية علاقة (وهو المعروف بمبدأ الذرية التجريبية). ولكن هل يعني هذا النقد أن البنائية تنحاز إلى الرأي المضاد، الذي عرفناه في النظرية الجشطلتية في علم النفس، والذي يؤكد أولوية الكل على الأجزاء، ويجعل منه أكثر من مجرد تجميع لعناصر مستقلة؟ الواقع أن هذا القول بأسبقية الكل يقربنا إلى حد ما من فكرة البناء، غير أن مفهوم البناء ينطوي على ما هو أكثر من تغليب الكل على الأجزاء، واتخاذ الموقف المضاد - بطريقة آلية - للموقف التجريبي. فالبنائية لا تكتفي بأن تضع الكل في البداية، دون أن تحدد خصائصه وسماته الداخلية، بل إن أهم المشكلات في نظرها هي العلاقات الداخلية بين العناصر. فهي تركز بحثها على العمليات الطبيعية أو المنطقية التي يتكون بها الكل، والقوانين المتحكمة في تركيبه،
5
وتتجاوز بذلك الموقف الجشطلتي الذي يكتفي بافتراض أولوية الكل دون مزيد من التحليل لتركيبه الباطن. (2) البنائية والنزعة التاريخية
ربما كان التضاد الأهم، الذي تتحدد به طبيعة البنائية بمزيد من الوضوح، هو تضادها مع النزعة التاريخية
historicisme ، إذ إن الجدل الأكبر الذي أثاره البنائيون كان موجها ضد أنصار النزعة التاريخية، والقوة الدافعة الأولى للتيار البنائي كانت الرغبة في مراجعة التفسير التاريخي مراجعة جذرية، ومن هنا كان فهم موقف البنائية من النزعة التاريخية أساسيا في تحديد سماتها.
فقد كان من الشائع، في القرن التاسع عشر بوجه خاص، تفسير كل الظواهر من خلال التاريخ، فالسابق هو الذي يتحكم دائما في اللاحق، والمنشأ الأول لأي ظاهرة، ثم مسارها التالي، أساسي في فهم طبيعتها الحالية. ولقد اتفق على هذه النقطة مفكرون كانوا يختلفون فيما بينهم في مسائل أساسية؛ إذ قدم إلينا دارون تفسيرا لتطور الأحياء من منظور تاريخي، وعمم «سبنسر» نظرية دارون من المجال البيولوجي إلى جميع المجالات الاجتماعية والروحية والعلمية والمادية. واتخذ «نيتشه» من فكرة التاريخ أساسا لفلسفة كاملة تؤمن بأن للأخلاق والمعرفة والقيم (حتى المنطقية منها) تاريخا، وبأن حاضر هذه المعاني لا يفهم إلا من خلال ماضيها، وبأن الإنسان كائن تاريخي في صميمه. وطبق ماركس فكرة التاريخ على العلاقات الإنتاجية بين البشر في مراحلها المختلفة، فقدم إلينا نظرية في «المادية التاريخية» تجمع بين تأكيد الشروط المادية (والاقتصادية بوجه خاص) لتطور المجتمعات البشرية، وبين إعطاء أهمية كبرى للعامل التاريخي في هذا التطور. بل يمكن القول، من وجهة نظر معينة، إن العلوم الطبيعية ذاتها كانت تضفي على الفكرة الرئيسية فيها، وهي فكرة السببية، طابعا تاريخيا أو زمنيا؛ لأن السبب كان ينظر إليه على أنه «السابق المتكرر أو الدائم». والتقطت علوم إنسانية كثيرة فكرة التفسير التاريخي، فأصبح من الضروري، من أجل فهم أية ظاهرة تنتمي إلى مجال الحياة الإنسانية، الرجوع إلى سوابقها الماضية، وأصبح النقاد الفنيون والأدبيون يفسرون عمل الكاتب من خلال تاريخ حياته، ويبنون نظرتهم إلى الفنان على وقائع نفسية أو اجتماعية أو سياسية لها كلها موقع محدد في «التاريخ»، أي إن التاريخ أصبح متغلغلا في كل شيء.
ولم يقف هذا التيار التاريخي الطاغي عند حدود القرن التاسع عشر، بل كانت له امتدادات قوية في القرن العشرين، وتمثل ذلك في عودة ظهور فكرة «التقدم» التي ترجع إلى القرن الثامن عشر، وتأكيد وجود اتصال واستمرار تاريخي بين الظواهر؛ فالحاضر كامن في الماضي، والمستقبل كامن في الحاضر. وهناك خط متصل من التقدم، يمتد من أقدم العصور حتى اليوم، وبفضله يتحقق انتصار الروح في هذا العصر؛ لأن كل عصر وإن كان موجودا في حالة «كمون» في العصر الذي سبقه، يضيف جديدا إلى حصيلة التجارب البشرية، ويسهم في دفعها إلى الأمام؛ ولذلك فإن أعلى المستويات التي تصل إليها الروح البشرية ستكون في المستقبل.
ولقد ظهرت محاولات متعددة للحيلولة دون انتشار هذه النزعة التاريخية الطاغية، كان من أشهرها محاولة «باشلار
Página desconocida