La Esencia de la Humanidad: Una Búsqueda Interminable y un Movimiento Incesante
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Géneros
عمل الإنسان بيديه منذ تشكيله لأول حجر صوان وإشعاله النار منذ أكثر من مليون سنة مضت، فقد حددت التقنيات المستخدمة في العصر الحجري في الصين ولدى المسلمين طريقة ممارستنا لحياتنا، إلا أن كل تطور يحدث يصحبه ظهور أداة حربية جديدة. وقد خصصنا الفصل التاسع للحديث عن هذه الموضوعات ولتقييم العلاقة بين التكنولوجيا والثراء، ونختتمه بالحديث عن اختراعات رجل واحد؛ وهو ليوناردو دافينشي، فلم يضاه أحد دافينشي قط في الجمع بين المهارة اليدوية والإبداع العقلي.
لا بد أن الإنسان البدائي كان يخاف من العالم الطبيعي من حوله؛ من البرق والرعد، ومن الأعاصير والفيضانات، ومن الانفجارات البركانية والزلازل، وقد بحث عن تفسيرات لها. وكان أفضل تفسير توصل إليه البشر جميعا، سواء في بلاد سومر أو في مصر أو الهند أو الصين أو جزيرة كريت أو وسط أمريكا وجنوبها، هو الدين؛ الإيمان بقوى خارقة للطبيعة تكون هي المسئولة في النهاية عن الأحداث التي لا يستطيع البشر فهمها والتحكم فيها. أثبتت هذه التفسيرات أنها مرضية نظرا لكون الأديان التي ظهرت - الهندوسية والبوذية واليهودية، ثم المسيحية والإسلام - ما زالت تمارس في جميع أنحاء العالم إلى يومنا هذا، من ملايين الرجال والنساء المتعلمين، وفي كافة المهن، في المعابد والأضرحة والمساجد والصلوات، وفي الكنائس والمنازل. لكن مع الإلحاح يعترف قليل من الناس أنهم لم يعودوا ينسبون الظواهر الطبيعية إلى قوى إلهية. فما الذي يبحثون عنه؟ سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل في الفصل العاشر.
بدأ التشكيك في الأصول الإلهية للأحداث المادية على يد الفلاسفة الإغريق؛ بحثا منهم عن تفسيرات بديلة منذ نحو ألفي عام. توقفت بعد ذلك محاولات التفكير العلمي حتى بدأت تظهر تفسيرات لأحداث، مثل تحول النهار إلى ليل والشتاء إلى ربيع، في القرن السادس عشر (رغم أننا ما زلنا نستخدم مصطلحات مثل «غروب الشمس» و«شروق الشمس»). يختلف التفسير العلمي عن غيره من كافة التفسيرات الأخرى في طبيعته العالمية؛ فمفهوم أن الأرض تدور حول الشمس، وليس العكس، هو نفسه في روما كما هو في كراكوف؛ فالعلم - المتمثل في التحقيق في المعتقدات عبر إجراء التجارب التي تؤدي إلى وضع فرضية، أو وضع فرضية ثم إتباعها بإجراء تجارب - واحد أينما يمارس، ويعتبر العلماء مستكشفين أيضا؛ فهم يبحثون عن نجوم تبعد عنا تريليونات السنين الضوئية، وعن جسيمات أصغر بمليارات المرات من جزيء السكر، وعن بقايا حيوانات انقرضت منذ ملايين السنين، وعن سلالات من الفيروسات لم تظهر إلا في عصرنا الحالي. نذكر في الفصل الحادي عشر إسهامات بعض العلماء العباقرة، ونطرح سؤالا بسيطا: هل سنكتشف قريبا كل ما يمكن معرفته، أم أن البحث لا نهاية له؟
يركز الجزء الثالث من هذا الكتاب على النقاش الحالي حول العلم والتكنولوجيا؛ فالمعرفة التي حصلنا عليها في العقدين الماضيين بشأن التلاعب في جينات - جينات النباتات والحيوانات والإنسان أيضا - تؤدي إلى تغيرات هائلة في مجالي الزراعة والطب، فالبحث من أجل إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف، أو البرد أو الآفات، أو محاصيل تنتج غلة أكبر من القمح أو الذرة أو بنجر السكر أو البطاطا؛ يؤدي إلى فوائد اقتصادية واضحة ذات أهمية بالغة لدول العالم المتخلفة. ومع ذلك يوجد نقاش محتدم حول تعديل الطعام جينيا، كما وصل الجدل حول تطبيق الأمر نفسه على البشر إلى حد الغليان؛ هل يجوز السماح باستنساخ البشر؟ وهل يجوز أن نستبدل بالجينات المسببة للمرض جينات صحية؟ وهل علينا تشجيع زرع أعضاء مأخوذة من الحيوانات؟ وهل يجوز السماح للناس بتجميد خلايا جسمهم من أجل الحصول عليها إذا اقتضت الحاجة؟ وهل فوائد العبث مع الطبيعة تفوق مخاطره؟ وهل سعي العلماء غير المقيد يكون مقبولا؟ نحاول عرض وجهة نظر موضوعية عن هذا في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر.
نلقي في الجزء الأخير من الكتاب نظرة على المستقبل، إلى أين سيقود السعي الإنسان خلال السنوات المائة القادمة، وإلى أين في خلال مليون سنة قادمة؟ بالطبع لا يسعنا سوى التكهن. على المدى القصير أتوقع أن تراجع حب الاستطلاع، «تراجع المستوى الفكري» الذي يوجد حاليا في المجتمعات الغربية، سيؤدي إلى تدهورها مقارنة بالثقافات في شرق آسيا. ومع ذلك، بوجه عام سيصبح البشر على القدر نفسه من الغباء والإبداع، ومن الطيبة والقسوة التي هم عليها حاليا؛ فقد أثبتت التجربة أن أحداث الماضي يكون لها تأثير ضئيل على سلوك الإنسان، كما أن التغير الذي يحدث في جيناته على مدار قرن من الزمن يمكن بالكاد إدراكه. فحتى يمكننا دراسة التغير التطوري الذي يتعرض له البشر علينا التفكير في الأمر على مدار ملايين السنين، وليس القرون. على مدار هذا الوقت، هل سيؤدي سعي الإنسان إلى ظهور نوع جديد من البشر، أم ستكون أبحاثه سببا في دماره؛ بحيث ينقرض «الإنسان الباحث عن المعرفة» قبل حدوث هذا؟ نعرض توقعا لما سيحدث في الفصل الرابع عشر. •••
مع نمو فكرة تأليف هذا الكتاب في ذهني، بدأت أفكر في سبب عدم تفكير أي شخص آخر في «السعي» بوصفه صفة مميزة للبشر ومع ذلك أساسية في كافة أشكال الحياة. هل هي فكرة عديمة الأهمية أم أنها بديهية؟ تحدثت مع زملائي المتخصصين في مجال العلوم ومع علماء الأنثروبولوجيا، فاستمعوا إلي في تهذيب وابتسموا واقترحوا علي التحدث مع أشخاص آخرين نظرا لكون هذا خارج مجال تخصصهم. جاء رد فعل آخرين على النحو نفسه. المهم في الأمر أن أحدا لم يستطع إرشادي إلى مقال أو كتاب تناول هذا الأمر بأكمله من قبل، على الأقل كان هذا أمرا مشجعا.
ثم جاء ريتشارد دوكينز لإنقاذي؛ إذ كان يعتقد أن السير أليستر هاردي، أستاذ علم الحيوان في أكسفورد منذ نصف قرن، اقترح أمرا مشابها؛ كان يذكر وجود مقال في مكان ما، لكنه لم يستطع تذكر المرجع بدقة، هل يمكن لآرثر كين، أحد زملاء هاردي السابقين الذي انتقل إلى ليفربول لكنه تقاعد الآن، المساعدة؟ لكن عندما تمكنت من معرفة مكانه كان مع الأسف قد توفي. واصلت بحثي، واعتقد متخصص آخر في علم الحيوان في أكسفورد، مارك ريدلي، أن هذا المقال المحير ربما يوجد في إحدى محاضرات جيفورد التي ألقاها هاردي بعد وقت قصير من تقاعده. وبالفعل نجحت! وكما يظهر في الاقتباس التالي لم تكن فكرتي حمقاء أو بديهية، على العكس، فيبدو أن تأليفي لهذا الكتاب يجيب عن السؤال الذي طرحه هاردي. إليك الكلمات التي أقتبسها عنه:
رغم ذلك، من عملية التطور هذه، من مكان ما، جاء الدافع، أو حب المغامرة، لدى الإنسان الذي قد يدفعه إلى المخاطرة بحياته بتسلق جبل إيفرست، أو الوصول إلى القطب الجنوبي أو إلى القمر. هل - إجمالا - من السذاجة الاعتقاد بأن هذه النزعة الاستكشافية، وهذا الفضول، ترجع أصولهما إلى جزء راسخ في السلوك الحيواني يلعب دورا أساسيا في تدفق الحياة؟
9
حتى أتمكن من كتابة هذا الكتاب اخترت التبحر في موضوعات مثل الدين والأنثروبولوجيا والتاريخ والفن، وهي موضوعات لم أحصل فيها على تدريب رسمي، فأنا مجرد عالم كيمياء حيوية بسيط، إلا أن السعي للتعبير عن أفكاري أمر متأصل في جيناتي؛ ألم يكن جدي فنانا وزوجته موسيقية وخالي كاتبا ووالدتي فيلسوفة؟! وعلى القارئ أن يسامحني عن الأخطاء التي سيجدها فيما يلي؛ فقد كنت أكتب بوصفي عالما، لكني سمحت لأفكاري بأن تتحرك في كافة الاتجاهات.
Página desconocida