El lado emocional del Islam
الجانب العاطفي من الإسلام
Géneros
إذا سار فى طريق التزم الجانب الأيمن، وتجنب مظان الخطر؟ وأجاب داعى الحذر، أما إيثار الفوضى والنزق وانتظار السلامة باسم التوكل فجهل... إذا تقدم لمسابقة استكمل أهبة الفوز بما تفرض من كفاح ذهنى وعلمى وما تتطلبه من نشاط يقرب من الغاية... إذا سكن بيتا غلق أبوابه ليلا، وتعهد ثغراته حتى لا يجد اللصوص لهم منفذا وهكذا. من أجل ذلك أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابى الذى سأله: أتركها وأتوكل أم أعقلها وأتوكل يعنى ناقته ؟ فقال : أعقلها وتوكل. ونبه الله المجاهدين إذا ضمتهم جنبات الميدان أن يكون انتباههم حادا وتيقظهم بالغا (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا). وقبل أن يأمر الله نبيه بالتوكل عليه فى قوله: (فاعبده وتوكل عليه) قبل ذلك مباشرة قال: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون) . فالأمر بالتوكل جاء بعد إعلان عن عمل موصول وصبر طويل. ورأى أحد الأئمة فقيرا ينطلق إلى الحج دون زاد، فسأله أين زادك؟. فقال: أنا متوكل على الله. فقال له: أمسافر أنت وحدك؟ قال: بل مع القافلة. فقال له: أنت متوكل على القافلة!!. وصدق، فهذا متأكل لا متوكل، وهذا الصنف جاهل بالإسلام، ومعرفته بالله غامضة يشوبها حمق كثير. والتوكل إيمان بالغيب بعد استنفاد كل الوسائل المقررة فى عالم الشهادة، إيمان بالله بعد أداء كل ما يرتبط بالنفس من واجبات. والتوكل يجئ صدقا وسكينة فى موضعه الحق، ولنضرب لذلك الأمثال. طلب الرزق غريزة لدى الأحياء كلهم ما إن تبدو تباشير الصباح حتى يستعد الفلاحون والتجار والصناع وأصحاب الحرف للدخول فى كفاح طويل أو قصير كى يحرز كل امرئ قوته وقوت أسرته. 212 وهذا الكفاح محك قاس للأخلاق والمسالك، فإن اللهفة على تأمين المعايش قد تلجىء أصحابها إلى الختل والتلون أو الكذب والحيف. وربما وجدت الضعاف يتملقون الأقوياء، والصغار يذوبون فى الكبراء. والإسلام يرفض أن يكون الكدح وراء الرزق مزلقة لهذه الآثام كلها، ومن ثم فهو يطلب بصرامة أن يكون الارتزاق من أبواب الحلال المحض، وألا يلجأ مسلم أبدا إلى غش أو ذل أو ضيم ليجتلب به ما يشاء: الوسائل التى حددها الشارع هى وحدها الأسباب الشريفة التى يقوم بها ثم يقف عندها مرتقبا فى ثقة ما تتمخض عنه من نتائج. والتزام التقوى فى معالجة هذه الشئون وأمثالها هو منطق الإسلام، وهو منطق منتج لا عقيم قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . والتقوى هنا رعاية الشرف فى التكسب، والاستقامة فى الطلب، فإن إلحاح الرغبة فى طلب الكفاف أو فى طلب الثراء قد يدفع إلى اللؤم والعوج. وحجزا للنفوس عن هذه المهاوى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " . وغرسا لفضيلة التوكل عند طلب الرزق روى الغزالى فى الإحياء هذه الآثار. قرأ الخواص قوله تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا) فقال: ما ينبغى للعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى. وقيل لبعض العلماء فى منامه: من وثق بالله تعالى فقد أحرز قوته، وقال بعض العلماء: لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتبه الله لك. وقال يحيى بن معاذ: فى وجود العبد الرزق عن غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد. قال إبراهيم بن أدهم: سألت بعض الرهبان: من أين تأكل؟ فقال لى: ليس هذا العلم عندى ولكن سل ربى من أين يطعمنى؟. 213 وقال هرم بن حيان لأويس القرنى: أين تأمرنى أن أكون؟ فأومأ إلى الشام. وقال هرم: كيف المعيشة؟ قال أويس : أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة. وقال بعضهم: متى رضيت بالله وكيلا وجدت إلى كل خير سبيلا، نسأل الله تعالى حسن الأدب. وهذه الآثار لا تعنى إلا رفع كبوات البؤس أو زجر نزوات الطمع، فإن البشر فى هذه الميادين يفتقرون إلى علاج شديد. لقد رأينا ذل الفقراء وشره الأغنياء وراء المال يفعل الدواهى فلا جرم أن ترد الآثار تلطم هذا التطرف كيما ترده إلى سواء السبيل. ولكن هذه التعابير التى يقصد بها إشاعة الثقة فى أرجاء النفس الإنسانية حتى لا تضرع وتجزع انقلبت دلالاتها فى بعض النفوس ففهمت منها ما لا يجوز أن يفهم، فهمت منها أن السعى باطل، وأن السكون دين، وفى ذلك يقول رجل مهزوم أطاش العجز لبه: والسعى للرزق والأرزاق قد قسمت بغى ألا إن بغى المرء يصرعه ويقول آخر: حرى قلم القضاء بما يكون فسيان التحرك والسكون جنون منك أن تسعى لرزق ويرزق فى غشاوته الجنين وهناك موطن آخر للتوكل يستحب فيه ذكر الله، والاطمئنان إليه، ويكون الإيمان بالغيب فيه مصدر أنس وقوة لأصحابه. ذاك موطن الكفاح الذى يحمل عبئه أصحاب الرسالات، ويتعرضون فيه لمخاوف مزعجة، ولا يثبتون فيه على الروع والغبن إلا لأملهم فى الله واستنادهم إليه. وإلا بالتوكل الذى ينير أمامهم ظلمات الحاضر، ويجرئهم على مواجهة الجبروت بعزم. والقوى الشريرة التى يواجهها حملة الدعوات ليست عدوا سهلا، وإنقاذ الحقائق الكبيرة والحقوق الضائعة من بطش هذه القوى عمل يقترن بالمعجزات. فإن الاستكانة المطلقة التى تغمر الأفئدة وتطويها على الخوف من هؤلاء الأقوياء الأشرار تجعل انتصاب المصلحين أمامهم، والدخول فى معركة مريرة لاستئصالهم تجعل ذلك حلا فادح الثقل مرهوب العقبى. 214 وإننا لطول ما بلونا نقدر موقف موسى وأخيه عندما أمر بالذهاب إلى فرعون ونصحه، فقالا: ( ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى * قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) . إن الشعور بصحبة الله هو المؤنس فى هذه الوحشة، وهو المشجع فى هذه الرهبة، وذاك معنى التوكل فى تلك المواقف. وهو ما نزل به الوحى على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام أول ما طرقته الرسالة فقال الله له: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) . ونحن نجد التوكل على الله هو المعنى الشريف الجليل الذى يلوذ به المكافحون، ويرقبون معه مستقبل رسالتهم، ومطلع الفجر وسط ما يخيم عليهم من إظلام. إنه ليس فقط القوة المعنوية التى يتحاملون بها على جراحاتهم بل هو كذلك اللفظ المنغوم الذى يجرى على ألسنتهم ويسمعه منهم خصومهم وهم يناقشونهم: (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون * وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) . عندما يطلب من أولئك المؤمنين الصابرين أن يشتروا حياتهم وراحتهم واستقرارهم بنبذ الإيمان، والعودة إلى الضلال القديم يأبون إلا الصمود على الحق، وتحمل الأذى فى سبيله فيقولون: (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) وأساس هذا الثبات والرجاء أن مرد الأمور على تطاول الزمن إلى الله، وأنه إذا وهب النصر فلن يعترضه أحد، وأنه ناصر جنده لا محالة، وأن الباطل يأخذ جولته ثم يتلاشى، وأن ليس أمام أهل الإيمان إلا التعويل على الله والتأميل فيه: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) والتوكل على غير الله قصير العمر، أو عديم الجدوى، أما التعلق بالله فهو 215
ارتباط بالمصدر الدائم للخير، ولذلك قال: (وتوكل على الحى الذى لا يموت)!...
الحب:
Página 205