الفصل الثاني ثقافته ومجال إبداعه، وأقوال العلماء فيه
المبحث الأول ثقافته:
تأثر إبداع الداني في علومه ببيئته، فاهتم بما تهتم به من العلوم، وأبدع في بعض ما تؤثره منها، اهتم بعلوم القرآن، وعلوم الحديث، واللغة، والفقه المالكي، ووقف عليها حياته، مع إبداع كبير في القراءات وعلومها، وتبحّر في النحو ومذاهبه، وسعة رواية في الحديث مع تمام ضبط، والأخذ من الفقه بحظ وافر، وهذا تفصيل في جوانب إبداعه في كل فن.
أولا: القراءات
عاصر الداني من أهل قرطبة مجموعة من القراء، كان على رأسهم: أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن سعيد القرطبي، مسند أهل الأندلس في زمانه (ت ٤٤٦) «١»، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الصناع القرطبي (ت ٤٤٨) «٢»، ومكي بن أبي طالب الإمام الكبير (ت ٤٣٧). رحل إلى قرطبة، وجلس في جامعها للإقراء «٣»، غير أن الداني كان نسيج وحده في علوم القراءات، فقد اجتهد في طلب القراءات، وجدّ في عرض الروايات على الشيوخ، ورواية الحروف عنهم في قرطبة، وإستجة، وبجّانة، وسرقسطة، وغيرها من بلاد الأندلس «٤»، ورحل إلى مصر فعرض وروى عن كبار قرائها في ذلك الزمن، الشيء الكثير، حتى غدا أعجوبة العصر في سعة الرواية وكثرتها.
ويحدثنا الداني عن طريقته في الطلب والتحصيل، فيقول:" ما رأيت شيئا قط إلا
_________
(١) انظر ترجمته: في معرفة القراء ١/ ٤١٠.
(٢) المصدر السابق ١٤١١.
(٣) المصدر السابق ١/ ٣٩٥.
(٤) الصلة: ٢/ ٣٨٥.
1 / 14