(٤) أفتراك بعد هذا تنازعنى فى الأسماء وتستعمل الهذيان والمماراة فتقول: إنه ينبغى أن يكون الطبيب ضابطا لنفسه عفيفا عازبا عن الأموال عدلا، وليس يحتاج إلى أن يكون فيلسوفا. فإنه يعرف طبيعة البدن وأفعال الآلات ومنافع الأعضاء وأصناف الأمراض والاستدلال على العلاج، لكنه ليس يحتاج إلى أن يتدرب فى علم المنطق. أوتراك، إذ أسلمت الأمر فى نفس هذه الأمور، تستحى من أن تنازع فى أسماءها؟ والأجود عندى لك، وإن كنت قد تخلفت، أن تراجع الآن عقلك ولا تمارى فى الأصوات كما تمارى العقاعق والغربان، ولكن اصرف عنايتك إلى نفس الأشياء بأعيانها، حتى تعرف حقيقتها. فإنك لا تقدر أن تقول: إن الحائك الحاذق أو الإسكاف المجيد لا يكونان حاذقين إلا بتدرب من كل واحد منهما فى صناعته، ويمكن أن يصير إنسان من الناس عدلا 〈أو عفيفا〉 أو حاذقا بالبرهان أو عالما بأمر الطبيعة دفعة من غير أن يكون قد استعمل التعاليم، ومن غير أن يكون قد أخذ نفسه بالتدرب. فإذا كان هذا من قول من لا حياء معه، والقول الآخر ليس هو قول من يتكلم فى نفس الأشياء، لكن من قول من ينازع فى أسماءها، فقد ينبغى لنا أن نستعمل الفلسفة أولا، إن كنا نريد تقبل قول بقراط بالحقيقة. ونحن، إن فعلنا ذلك، لم يمنعنا مانع من أن نصير أندادا لبقراط، بل أفضل منه، إذا نحن تعلمنا منه جميع ما أثبته فى كتبه على ما ينبغى، واستخرجنا لأنفسنا نحن ما كان بقى علينا.
تمت مقالة جالينوس فى أنه يجب أن يكون الطبيب الفاضل فيلسوفا، وكتب خلف بن أبى الربيع الأندلسى لنفسه فى ربيع الآخر من سنة سبع وخمسين وأربعمائة. والحمد لله ذى القدرة التامة والنعمة العامة، وصلواته على رسوله محمد وآله الطاهرين، وسلم تسليما.
عارضتها بالأصل المنسوخ منه. والحمد لله وحده، وصلواته على رسوله محمد وآله.
Página 26