(٣) وإن وجدنا أحدا حاله هذه الحال فإنه يذهب بنفسه عن الملوك، كمثل الذى عمل بقراط، فإنه لم يجب أردشير ملك الفرس إلى أن يراه البتة. وأما بارذيقس الملك فإنه عالجه من أمراض مرضها عندما احتاج إلى صناعته، ولم يره أهلا لأن يقيم معه دهره كله. وعالج المساكين الذين كانوا فى مدينة قرانون وتاسو أو فى مدن أخر كثيرة وإن صغرت. وخلف لأهل مدينته بولوبس 〈و〉سائر تلامذته ودار هو نفسه جميع مدن اليونانيين، لأنه لما رأى أنه يجب أن يضع فى طبيعة البلدان كتابا، لكيما يمتحن ما علمه من القياس بالتجربة، احتاج لا محالة أن يعاين ما كان من المدن مائلا إلى الجنوب أو إلى الشمال والتى بحذاء المشرق والتى بإزاء المغرب، وأن يعاين ما كان منها فى واد وما كان منها فى موضع عال وما كان أهلها يستعملون المياه التى تساق إليها فى القنى أو المياه التى تنبع من أعين فيها أو مياه الأمطار أو مياه البحيرات أو مياه الأنهار، وألا يغفل ما كان أهلها يستعملون المياه الباردة جدا أو الحارة جدا أو ما يغلب عليه قوة البورق أو قوة الشب أو غير ذلك مما أشبهه، وأن يعرف المدينة المجاورة لنهر كبير أو لبحيرة أو لجبل أو لبحر، وأن يفهم سائر جميع الأشياء التى فهمناها. فليس إذا يضطر من أراد أن تكون حاله هذه الحال إلى أن يستخف بالغنى فقط، لكن ينبغى أن يكون فى غاية الحرص والإيثار للنصب على الخفض، وليس يمكن أن يكون أحد مؤثرا للنصب على الخفض إذا كان موثرا للسكر أو للشبع أو قد وهب نفسه للجماع أو يكون بالجملة عبدا لفرجه وبطنه.
Página 22