ربما ما زلنا نذكر ما حدث في بغداد مع بدء الهجرة اليهودية المنظمة إلى إسرائيل، بتخطيط وإشراف الصهاينة عندما تردد يهود العراق في قيد أسمائهم بكشوف الهجرة، فلجأت العصابات الصهيونية المسلحة إلى إلقاء القنابل على مراكز التجمع اليهودي لإشعارهم أنهم في خطر لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل. وهو الحدث الذي تزامن مع حالات أخرى شبيهة في مواقع أخرى من العالم كما تزامن مع بداية النشاط الفعلي للصهيونية العالمية. وكان أخطر تلك الأساليب هو ما حدث في ألمانيا النازية في قضية «إنجمان» المعروفة وما كشفت عنه د. «حنا أرندت» في كتابها «إنجمان في القدس»، وأوردت به مجموعة وثائق تثبت وجود تعاون وثيق بين السلطات النازية وبين المؤسسة الصهيونية في فلسطين، وأن من بنود ذلك التعاون أنه كان بإمكان أي يهودي ألماني أن يهاجر إلى إسرائيل، شريطة أن يحول أمواله إلى بضائع ألمانية. وقد قدم إنجمان مساحات من الأرض للصهاينة كمعسكرات تجمع لليهود ولتهجيرهم بالإكراه إلى فلسطين.
أما ما حدث ليهود تلك المعسكرات فهو البشاعات التي كشفت عنها قضية كاستنر، الذي باع يهود تلك المعسكرات للنازي بالتعاون مع إنجمان وهي من القضايا التي هزت إسرائيل، وكشفت أن زعماء الصهاينة وقياداتهم، قاموا بتجهيز أغنياء اليهود إلى فلسطين للحصول على الأموال إضافة للعناصر الفعالة كالعلماء والشباب بينما تركت في المعسكرات بقية اليهود من عناصر غير مرغوب فيها، وهم من تمت إبادتهم على يد النازي بعلم القيادات الصهيونية وتعاونها، لكسب العطف والتأييد العالمي، «وهو ما أدى بعد ذلك وبالفعل، إلى قيام دولة إسرائيل».
وبموجب الاتفاق قام «إنجمان» بتأمين قطار خاص لحمل المهاجرين من النخبة المختارة الممتازة، ورافقهم بعض النازيين إلى الحدود لضمان سلامتهم، وقد قال كاستنر إن عددهم كان 1648 شخصا غادروا إلى إسرائيل مقابل 476000 تمت التضحية بهم في المجزرة «وهو الأمر الذي يفسر لنا تأكيد شامير على أن تلك المجزرة، كانت السبب وراء قيام إسرائيل».
قد شهد على تلك المؤامرة الكبرى أحد القلائل الذين تمكنوا من الفرار من معسكر «أوشيتز»، هو «رودلف فربا» وذلك في جريدة لندن ديلي هيرالد عام 1961م، بقوله: «نعم أنا يهودي، لكني أتهم قادة اليهود بأنهم أبشع ممارسي الحروب فتلك المجموعة كانت على علم مسبق بما سيحدث لإخوانهم في غرف الغاز النازية، ومن بينهم ستنر رئيس مجلس يهود هنغاريا، وقد استقل عدد كبير من يهود هنغاريا الفقراء قطارات النقل طائعين دون مقاومة؛ لأنهم كانوا قد أخذوا تطمينات من القادة الصهاينة أنهم في طريقهم إلى الحرية، بينما كانوا يساقون إلى الإعدام». أما جريدة صوت الشعب الإسرائيلية فقد قالت في عام 1955م «إن كل أولئك الأشخاص، الذين ذبح الألمان أقرباءهم في هنغاريا، يعلمون الآن وبوضوح، «أن قيادات الصهاينة هي التي دبرت الجريمة مع النازي».»
ولما فاحت الفضيحة، وقدم كاستنر للمحاكمة في إسرائيل بضغط الرأي العام لكشف الحقائق، عقبت صحيفة يديعوت أحرونوت في 1955م بقولها: «إنه إذا تم تقديم كاستنر للمحاكمة فإن الدولة برمتها ستنهار، سياسيا ووطنيا نتيجة ما ستكشف عنه تلك المحاكمة.» ولم يمض قليل على بدء المحاكمة حتى سقط كاستنر صريعا رميا بالرصاص من مجهول، وكشف بعد ذلك أن قاتله هو أكشتاين العميل السري في جهاز الموساد.
وكان السؤال: هل من المعقول أن تقدم القيادة الصهيونية هذا العدد الهائل من اليهود للذبح؟ يجد إجابته أولا في قيام الدولة. وثانيا في شهادات منها شهادة «موشى شوايفر» مساعد كاستنر الذي قال بهدوء: «نعم كان يهود هنغاريا عددا كبيرا لكنهم للأسف لم يكونوا يتمتعون بأي أيديولوجية يهودية.»
أما قائد الهاجاناه «فايفل بولكس»، فقد التقى بإنجمان في جروبي القاهرة، وأبدى رضاه التام عن سير التعاون اليهودي مع النازي كما هو مرسوم له (انظر مجموعة وثائق التعاون النازي الصهيوني/كالتون، أستراليا).
لكن السؤال الأكثر منطقية هو: إذا كانت الجريمة النازية قد حدثت بالفعل، فلماذا تطوع النازي وسمح للنخبة اليهودية بالهجرة؟ والسؤال وجيه لكن الوقائع تقول ما يفيدنا بإجابة مقنعة؛ فلعلنا نذكر أن منظمة الأورجون اليهودية في فلسطين قد قامت بإعلان الحرب رسميا ضد حكومة الانتداب البريطانية عام 1944م. ونظمت نشاطات إرهابية متتالية ضد القوات البريطانية في فلسطين، وهو ما جاء في سقطة أخرى بخطاب السيد شامير في مدريد في قوله: «لقد قامت الدولة اليهودية وتكونت لأن الطائفة اليهودية الصغيرة بفلسطين أيام الانتداب ثارت على الاحتلال الإمبريالي!» سقطة السيد شامير هنا فاضحة ففي الوقت المفترض فيه، أن اليهود يحاربون الألمان، وأنهم ضحية المجازر النازية كان اليهود في فلسطين يقومون بنشاطات إرهابية ضد بريطانيا (؟!) الأمر واضح تماما تؤيده العلاقات غير الخفية التي قامت بين عصابة «شتيرن» اليهودية بفلسطين، وبين إيطاليا الفاشية وشنت بموجبها عددا من الهجمات الإرهابية على البريطانيين بفلسطين، أما مناحيم بيجن زعيم عصابة الأورجون، فقد وصل لفلسطين كجندي في الجيش البولوني لمقاتلة النازية، ثم فر من الجندية ونظم عصابة لقتال البريطانيين وقتل الفلسطينيين.
هكذا تمت الخطة الصهيونية على ثلاثة محاور: محور يهود أوروبا ومهمته قتال النازية لكسب تأييد الحلفاء، ومحور ألمانيا للتخلص من نفايات يهودية لا تؤمن باليهودية وحقوقها التاريخية ليتم بها كسب عطف العالم والضغط على ضميره، في أشد الظروف العالمية توترا. ومحور ثالث كان فيه صهاينة فلسطين يقدمون للنازي خدماتهم الجليلة، ويقاتلون بريطانيا لصالح دول المحور، تنفيذا للاتفاق غير المعلن.
وهكذا تنكشف لنا أهم جوانب طبيعة الخطاب الصهيوني وهو التزوير الفاضح، وتهديد ضمير العالم دوما بدم اليهود المسفوك لأنه إذا كان «بدون دم وسفك دم لا تحصل مغفرة.» فإن ناموس الصهيونية قد أكد «بدون دم وسفك دم لا تقوم لإسرائيل دولة.» (1-4) الدين والعنصر
Página desconocida