Islam en el siglo XX: su presente y su futuro
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Géneros
ولم يتغير أحمد خان بعد أن جاوز الأربعين، فإنه كاشف أبناء قومه بعلة جمودهم، ولم يقبل قط أن يتملقهم، ويخفي عنهم أسباب قصورهم وعجزهم، وصارح الدولة الحاكمة بأسباب الثورة، وما يقع عليهم من تبعاتها، وصارح أبناء قومه بتبعاتهم، فكانت خلاصة هذه التبعات في رأيه أنهم «نائمون».
وقد وصف السيد أحمد خان بالأناة والحذر، وكاد المترجمون له أن يصفوه بالمبالغة في أناته وحذره، ولكنهم لو وصفوه بالإقدام أو الهجوم لوجدوا الدلائل على ذلك أظهر وأكثر من دلائل الأناة إن كان معنى الأناة أن يتخلف المستأني عن العمل في حينه، فما توانى أحمد خان عن مصارحة الإنجليز بتبعاتهم وعيوب إدارتهم، وما توانى عن مصارحة قومه بجمودهم وعجزهم ووسائل الخلاص من نكبتهم، وما توانى بعد ذلك عن مصارحة الهند كلها بتنظيم الحياة النيبابية فيها على النحو الذي يصلح لجميع أبنائها مع تعدد النحل وتفاوت النسبة في توزيع السكان، ولكنه كان يتأنى حين يخشى مغبة العجلة ولا يؤمن بجدواها، وكانت هذه الأناة منه أدل على الشجاعة من الهجوم السريع؛ لأنه كان يغضب بها أضعاف من يرضيهم بالتعجل في غير جدوى.
وقد عرف مكامن الضعف في قومه، ولم تخف عليه مكامن القوة في الدولة الغالبة على وطنه، فجزم بضرورة التعليم الحديث، ثم بدأ بإرسال ابنه إلى الجامعات الإنجليزية، واعتزم أن يصحبه إليه ليطلع بنفسه على حقائق الحضارة الأوروبية في بلادها، وقد لخصها في جوهرها أحسن تلخيص، فجمع حقائقها النافعة في كلمتين: وهما العلم والخلق، ورأى أن الشباب المسلم لا يكسب الخلق المتين بغير دين، فلخص برنامج الإصلاح عنده في الدين المستنير، وجعل شعاره كله كلمة واحدة يعيدها مرات وهي: علم، ثم علم، ثم علم، أو تعلم، ثم تعلم، ثم تعلم، بغير انقطاع عن التعلم أو التعليم.
ولما توفي وهو في الحادية والثمانين كان للمسلمين في الهند مدرسة كلية عالية ومدارس حديثة متفرقة، وكان لهم ما هو أهم من ذلك وألزم؛ وهو الوجهة المرسومة، ومعالم الطريق التي لا تخفى على ذي عينين، وقد خطا السيد أحمد خان هذه الخطوة التي أحجم عنها معاصروه؛ لأنهم لا يعرفونها ولا يجسرون عليها، فعرفها ولم يحجم عنها، وقال من قال: إنها لخطوة عظيمة واستصغرها آخرون، فقالوا: إنه قد أطال الأناة فيها، ولكنهم مجمعون على أنها هي الخطوة التي لا بد منها في البداءة، فلا تتأتى الخطوات التالية إلا بعد الإقدام عليها، وقد أقدم عليها، فاتبعه في الطريق من يؤثر العجلة ومن يؤثر الأناة.
جمال الدين
والمعلم الأكبر جمال الدين من أبناء الأقاليم الوسطى، بين الهند والبلاد العربية وبلاد الدول العثمانية، وكأنما شاءت العناية أن يولد حيث يتوسط العالم الإسلامي، ويتولى فيه دعوة الإصلاح والتعليم من أقصاه إلى أقصاه.
والقول المشهور إنه هو وآباؤه وأجداده من أبناء الأفغان، ويقال غير هذا إنه ولد بقرية «أسد أباد» في جوار همذان من بلاد فارس، ثم انتقل إلى الأفغان، وتعمد إخفاء نسبته الفارسية بعد أن تجرد لدعوة الإصلاح في العالم الإسلامي كافة، وتوقع من شاه العجم أن يطالب بتسليمه؛ لأنه من رعاياه، فضلا عن غلبة المذاهب السنية على البلاد التي خاطبها بدعوته، ومنها بلاد الترك ومصر وسائر البلاد العربية.
إلا أنه لا خلاف في نشأته منذ صباه في بلاد الأفغان، وفيها تعلم الفقه على مذهب أبي حنيفة، ودرس علم الكلام وهو خلاصة الفلسفة الدينية، كما أحاط بالميسور من علوم الرياضة والهندسة في كتب الأقدمين، وكان في أخريات أيامه يعرف الفرنسية والتركية وقليلا من الإنجليزية، عدا الفارسية والعربية التي كان يتكلم الفصيح منها بلهجة الفرس المستعربين.
وإذا لخصت رسالة جمال الدين في كلمتين فرسالته بالإيجاز هي «الجامعة الإسلامية»؛ ولكن الجامعة الإسلامية كما أرادها جمال الدين شيء غير الجامعة الإسلامية التي يراد بها توحيد الحكومات، وضمها جميعا إلى حكومة واحدة، وإنما يتوقف فهم هذه الجامعة على مراجعة أحوال الأمم التي درج جمال الدين، وهو يستمع إلى أخبارها، ويشترك في شئونها، وهي بلاد الأفغان وإيران، وقبائل الترك ومن ورائهم دولة بني عثمان، ومن حولهم مطامع الاستعمار ودسائسه في أوج سلطان المستعمرين من البريطان والروس بعد اجتياحهم للهند، وأواسط آسيا بزمن قليل.
فقد فتح السيد عينيه على بلاد الأفغان وفارس، وهي على أعنف ما يكون من التنازع والبغضاء، وكانت حكومة الهند البريطانية تستغل الخلاف بين الأمتين في المذهب والخلاف بينهما على الحدود كما تستغل حاجتهما إلى المال والسلاح، فتغري إحداهما بالأخرى، وتبذل لها من مالها وسلاحها ما تقوى به على جارتها، وتشترط عليها ألا تعقد الصلح معها حتى تأذن لها، وإلا قطعت عنها المدد والمعونة، وكانت حكومة الهند لا تأذن بالصلح إلا أن تكون الدولة المغلوبة قد نزلت عن دعواها في الحدود الهندية.
Página desconocida