رأى الْإِنْسَان رُؤْيا مِمَّا تدل على خير أَو غَيره ثمَّ انتظرها فرآها على صفة مَا رأى أَولا فَتكون قد عبرت وَلَا يكون ذَلِك تَكْرَارا عِنْد بعض المعبرين وَلَيْسَت الرُّؤْيَا تبطل بِتَأْوِيل مَا أول بِمَا يُخَالف التَّعْبِير إِذْ لَو كَانَ ذَلِك لبطلت رُؤْيا عَزِيز مصر لقَوْل المعبرين اضغاث أَحْلَام وَإِن الشَّيْطَان يتَمَثَّل فِي الرُّؤْيَا بِكُل شَيْء إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَفِي الحَدِيث: إِذا رأى أحدكُم مَا يكره فَليقمْ وليتفل وَلَا يحدث بِهِ النَّاس وَفِي الحَدِيث: الْمَنَام على رجل طَائِر إِذا قصّ وَقع وَأول بَعضهم قصّ الرجل الْوُقُوع وَفِي حَدِيث آخر مَا يدل مَعْنَاهُ أَن الْإِنْسَان إِذا رأى فِي مَنَامه مَا يكره فَلَا يحدث بِهِ أحدا وَأَن يبصق عَن يسَاره ويتعوذ من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمعبر ذَا حذاقة وفطنة صَدُوقًا فِي كَلَامه حسنا فِي أَفعاله مشتهرًا بالديانة والصيانة بِحَيْثُ لَا يُنكر عَلَيْهِ فِيمَا يعبره لشهرة صدقه وَلذَلِك سمى الله يُوسُف بِالصديقِ وَأَن يكون عَارِفًا بالأصول فِي علم التَّعْبِير وَأَن يُمَيّز رُؤْيَة كل أحد بِحَسب حَاله وَمَا يَلِيق بِهِ وَمَا يُنَاسِبه وَلَا يُسَاوِي النَّاس فِيمَا يرونه وَيعْتَبر فِي تَعْبِيره على مَا يظْهر لَهُ من آيَات الْقُرْآن وَتَفْسِيره وَمن حَدِيث رَسُول الله ﷺ وَمَا يَنْقُلهُ المتقدمون فِي كتبهمْ وَقد يَقع نَوَادِر ويعتمد على تعبيرها من الْأَلْفَاظ الجلية الظَّاهِرَة بَين النَّاس وَمَا نقل عَن الأدباء فِي أشعارهم وَغير ذَلِك من أَشْيَاء تناسب فِي الْمَعْنى كَمَا سنذكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى بعض ذَلِك فِي بَاب النَّوَادِر وَلَو اعْتمد المعبرون على مَا ضبط فِي الْكتب خَاصَّة لعجزوا عَن أَشْيَاء كَثِيرَة لم تذكر فِي الْكتب لِأَن علم التَّعْبِير وَاخْتِلَاف رُؤْيا النَّاس كبحر لَيْسَ لَهُ شاطئ وَقد وضعت هَذَا الْكتاب مُلَخصا وبوبته ثَمَانِينَ بَابا وَجعلت لكل بَاب مَا يُنَاسِبه من مَعَانِيه وأسأل الله الْعِصْمَة من الْخَطَأ وَالنِّسْيَان فَإِنَّهُ حسبي وَنعم الْوَكِيل.
(الْبَاب الأول)
(فِي رُؤْيَة الله تَعَالَى وَالْعرش والكرسي واللوح والقلم وسدرة الْمُنْتَهى)
٣ - (فصل فِي رُؤْيَة الله تَعَالَى)
قَالَ دانيال: من رأى الله ﷿ من الْمُؤمنِينَ فِي مَنَامه بِلَا كَيفَ وَلَا كَيْفيَّة مثل مَا ورد فِي الْأَخْبَار يدل على أَنه تَعَالَى يرِيه ذَاته يَوْم الْقِيَامَة وتنجح حَاجته (وَمن) رَآهُ وَهُوَ قَائِم وَالله تَعَالَى ينظر إِلَيْهِ دَائِما يدل على أَن هَذَا العَبْد يسلم فِي أَمر يكون فِي رَحْمَة الله تَعَالَى فَإِن كَانَ مذنبا يَنْبَغِي أَن يَتُوب وَقَالَ ابْن سِيرِين: من رأى الله تَعَالَى وَهُوَ يتَكَلَّم مَعَه يدل على أَن هَذَا العَبْد يكون عِنْد الله عَزِيزًا لقَوْله تَعَالَى: ﴿وقربناه نجيا﴾ (وَمن رأى) أَن الله كَلمه من وَرَاء حجاب يدل على زِيَادَة مَاله وَنعمته وَقُوَّة دينه وأمانته (وَمن رأى) أَن الله كَلمه لَا من وَرَاء حجاب يدل على وُقُوع الْخطاب عَلَيْهِ لأجل الدّين لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب﴾ (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى قربه وعززه ورحمه بكرامة يدل على أَنه تَعَالَى يرحمه فِي الْآخِرَة وَلكنه يَبْتَلِيه فِي الدُّنْيَا (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى يعظه يعْمل عملا يكون لله فِيهِ رضَا لقَوْله تَعَالَى: ﴿يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى بشره بِالْخَيرِ يدل على أَن الله تَعَالَى رَاض عَنهُ (وَمن) رأى أَنه بشره بِالشَّرِّ يدل على أَن الله تَعَالَى غَضْبَان عَلَيْهِ فليتق الله وَيحسن أَفعاله. (وَمن) رأى أَنه قَائِم بَين يَدي الله ناكسا رَأسه يدل على أَنه يصل إِلَيْهِ ظَالِم لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عِنْد رَبهم﴾ وَقَالَ الْكرْمَانِي: من أعطَاهُ الله تَعَالَى شَيْئا فِي مَنَامه سلط الْبلَاء والمحنة على بدنه فِي الدُّنْيَا (وَمن) رأى الله تَعَالَى وَرَأى من يُخبرهُ يَقع لَهُ حَاجَة عِنْد أحد من النَّاس وَيكون قَضَاؤُهَا على مَا تكون الرُّؤْيَا لَهُ (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى نزل على أَرض أَو مَدِينَة أَو قَرْيَة أَو حارة وَنَحْو ذَلِك يدل على أَن الله تَعَالَى ينصر أهل ذَلِك الْمَكَان ويظفرهم على الْأَعْدَاء فَإِن كَانَ فِيهَا قحط يدل على الخصب وَإِن كَانَ فِيهَا خصب زَاد الله خصبها ويرزق أَهلهَا التَّسْوِيَة (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى نور وَهُوَ قَادر على وَصفه فَإِنَّهُ يدل على أَن الله تَعَالَى سَمَّاهُ باسم آخر يحصل لَهُ شرف وعظمة (وَمن) رأى أَن الله تَعَالَى قَالَ لَهُ تعال إِلَى يدل على قرب أَجله (وَمن) رأى أَن الله تَعَالَى غضب على أهل مَكَان يدل على أَن قَاضِي ذَلِك الْمَكَان يمِيل فِي الْقَضَاء وَأَنه يظلم الرّعية أَو عالمه يكون غير متدين وَإِن كَانَ الرَّائِي سَارِقا سَقَطت رجله وَيدل على أَن الرَّائِي يكون مذنبا أَيْضا ولائقا بالعقوبة وَيَقَع فِي ذَلِك الْمَكَان بلَاء وفتنة. (وَمن) رأى أَن الله تَعَالَى على صُورَة رجل مَعْرُوف يدل على أَن ذَلِك الرجل قاهر وعظيم (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى فِي الْمَقَابِر يدل على نزُول الرَّحْمَة على تِلْكَ الْمَقَابِر (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى على صُورَة وَهُوَ يسْجد لَهَا فَإِنَّهُ يفتري على الله تَعَالَى: (وَمن رأى) أَنه يسب الله تَعَالَى يكون كَافِرًا بِنِعْمَة الله تَعَالَى وساخطًا لقضائه وَحكمه وَمن رأى أَن الله تَعَالَى جَالس على سَرِير أَو مُضْطَجع أَو نَائِم أَو غير ذَلِك مِمَّا لَا يَلِيق فِي حَقه جلّ وَعز يدل على أَن الرَّائِي يعْصى الله تَعَالَى ويصاحب الأشرار وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: رُؤْيا الله تَعَالَى فِي الْمَنَام تؤول على سَبْعَة أوجه: حُصُول نعْمَة فِي الدُّنْيَا وراحة فِي الْآخِرَة وَأمن وراحة وَنور وهداية وَقُوَّة للدّين وَالْعَفو وَالدُّخُول إِلَى الْجنَّة بكرمه وَيظْهر الْعدْل ويقهر الظلمَة فِي تِلْكَ الديار ويعز الرَّائِي ويشرفه وَينظر إِلَيْهِ نظرة الرَّحْمَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت مُحَمَّد بن سِيرِين أَي الرُّؤْيَا أصح عنْدك؟ قَالَ: أَن يرى العَبْد خالقه بِلَا كَيفَ وَلَا كَيْفيَّة وَقَالَ السالمي ﵀: من رأى الله ﷿ وَهُوَ يعانقه أَو يقبله فَازَ بِالْأَمر الَّذِي يَطْلُبهُ ونال من حسن الْعَمَل مَا يرغبه (وَمن رأى) أَنه أعطَاهُ شَيْئا من أُمُور الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُصِيبهُ أسقام (وَمن رأى) أَنه وعده بالمغفرة أَو بشره أَو غير ذَلِك فَإِن الْوَعْد يكون على حِكْمَة لقَوْله تَعَالَى: ﴿قَوْله الْحق﴾ (وَمن رأى) أَنه يفر من الله تَعَالَى وَهُوَ يَطْلُبهُ فَإِنَّهُ يحول عَن الْعِبَادَة وَالطَّاعَة أَو يعْتق وَالِده إِن كَانَ حَيا أَو يأبق من سَيّده إِن كَانَ لَهُ سيد. (وَمن رأى) أَن الله ﷾ يهينه يكون ذَا بِدعَة فليتق الله ﷾ لقَوْله: ﴿يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ يحرفونه من بعد مَا عقلوه﴾ الْآيَة وَمن رأى أَن الله ﷾ على غير مَا ذكرنَا جَمِيعه يكون نوعا مُفردا مِمَّا يُوَافق الشَّرِيعَة فَهُوَ خير على كل حَال وَقَالَ أَبُو سعيد الْوَاعِظ: من رأى كَأَنَّهُ قَائِم بَين يَدي الله تَعَالَى وَالله ينظر إِلَيْهِ فَإِن كَانَ من الصَّالِحين فليحذر الله تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين﴾ (وَمن رأى) كَأَنَّهُ يكلم الله من وَرَاء حجاب فَإِنَّهُ يحسن دينه وَإِن كَانَ عِنْده أَمَانَة أَدَّاهَا وَإِن كَانَ ذَا سُلْطَان نفذ أمره (وَمن رأى) أَنه يتَكَلَّم مَعَ الله تَعَالَى من غير حجاب فَإِنَّهُ يؤول بِحُصُول خلل فِي دينه لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله﴾ الْآيَة (وَمن رأى) أَن الله ﷾ حَاسبه أَو غفر لَهُ وَلم يعاين صفة لقى الله فِي الْقِيَامَة كَذَلِك (وَمن رأى) أَن الله تَعَالَى ساخط عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَاق لوَالِديهِ فليستغفر لَهُم وَرُبمَا يسْقط من مَكَان رفيع لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى﴾ .
٤ - (فصل فِي رُؤْيَة الْعَرْش وَمَا يَتَّصِف بِهِ)
من رَآهُ على هَيئته الموصوفة عِنْد الْعلمَاء فَهُوَ خير على كل حَال وَقيل إِن الْعَرْش يعبر بأمير كَبِير وَمن رَآهُ وَهُوَ مزخرف يعبر بِأَنَّهُ يصاحب رجلا جليل الْقدر وَيحصل لَهُ مِنْهُ عز وجاه وَإِن رَآهُ بالزخرف ملونا بألوان شَتَّى يدل على أَن الرَّائِي يصاحب رُؤَسَاء ذَوي فَضَائِل وَمَعْرِفَة بعلو قدره وَمن رَآهُ على غير هَيْئَة حَسَنَة يكون ذَلِك نقصا فِي حق الرَّائِي وحقارة لَهُ (وَقَالَ) جَعْفَر الصَّادِق رُؤْيَة الْعَرْش تؤول على خَمْسَة أوجه: رفْعَة ومرتبة ورياسة وَعز وجاه وَمن رأى أَنه يُطِيل النّظر إِلَى الْعَرْش من غير مشقة فَإِنَّهُ يَدُوم فِي سُلْطَانه.
٥ - (فصل فِي رُؤْيَة كرْسِي الله تَعَالَى وَهُوَ فِي الْمَنَام علم)
وَقَالَ بعض المعبرين: هُوَ رجل كَامِل عَاقل (وَقَالَ) جَابر المغربي: الْكُرْسِيّ يؤول بمطيع أَو زاهد تَقِيّ كَامِل أَو ملك عَادل ورع عَالم وَمن رأى أَنه متلأليء بِالنورِ وَعَلِيهِ جلالة رهيبة فَيكون الرَّائِي ذَا مهابة وَصَلَاح وَإِن رَآهَا أحد من الْعلمَاء يكون فِي حَقه أحسن من غَيره ويصل إِلَى رائيه خير من السُّلْطَان الْعَادِل أَو من الْعَالم الْعَامِل وَيكثر مَاله (وَمن) رأى بضد ذَلِك يدل على حُصُول نقص فِي أُمُور الْعلمَاء والأدباء (وَقَالَ) جَعْفَر الصَّادِق ﵁: رُؤْيَة الْكُرْسِيّ تؤول على سِتَّة أوجه الْعدْل والعز وَالْولَايَة وعلو الْأَمر وَالْقدر والجاه وَأما الْكُرْسِيّ يؤلفه النجار فَهُوَ امْرَأَة بِقدر ذَلِك الْكُرْسِيّ (وَقَالَ) السالمي: رُؤْيَة الْكُرْسِيّ خير على كل حَال مَا لم يكن فِيهِ مَا يُنكر فِي الشَّرِيعَة إِن فَإِن كَانَ فِيهِ مَا يُنكر فَلَيْسَ بجيد فِي حق الرَّائِي إِمَّا فِي الدّين أَو فِي أَمر يَطْلُبهُ من أُمُور الدُّنْيَا.
1 / 605