الصَّالِحَة جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة قَالَ الشهرزوري فِي شَرحه للأربعين حَدِيثا وَكَذَا زين الْعَرَب فِي شَرحه للمصابيح: إِن مُدَّة ابْتِدَاء وَحي الرَّسُول ﵇ إِلَى مُفَارقَته الدُّنْيَا كَانَت ثَلَاثَة وَعشْرين سنة وَكَانَت سِتَّة أشهر مِنْهَا فِي أول الْأَمر يُوحى إِلَيْهِ مناما فَهِيَ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من جملَة أَيَّام الْوَحْي لِأَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة على أَكثر الرِّوَايَات وَأوحى إِلَيْهِ بعد أَرْبَعِينَ سنة وَمِنْهَا قَوْله ﵊: من لم يُؤمن بالرؤيا الصَّالِحَة لم يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَمِنْهَا قَوْله ﵊: لم يبْق من النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات وَهِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ وَمِنْهَا قَوْله ﵊: أصدقكم حَدِيثا أصدقكم رُؤْيا وَإِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد تكذب رُؤْيا الْمُؤمن وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يكذب فِي رُؤْيَاهُ يزْعم أَنه رأى غير مَا رأى فَإِن الرُّؤْيَا وَحي يوحيه الله لَهُ فِي الْمَنَام وَمِنْهَا قَوْله ﵊ فِي صَحِيح البُخَارِيّ: أَن من تحلم بحلم لم يره كلف أَن يعْقد بَين شعيرتين وَلم يفعل وَمعنى الْحلم هُوَ معنى الرُّؤْيَا لَكِن غلب اسْتِعْمَال الرُّؤْيَا فِي المحبوبة والحلم فِي الْمَكْرُوهَة وَقَالَ عمر ﵁: أَلا أخْبركُم أَن الْإِنْسَان إِذا نَام عرج بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاء فَمَا رأى قبل أَن يصل إِلَى السَّمَاء فَذَلِك حلم وَمَا رأى بعد أَن يصل إِلَى السَّمَاء فَذَلِك الَّذِي يكون وَفِي قَول ابْن سِيرِين بَيَان أَن لَيْسَ كل مَا يرَاهُ الْإِنْسَان يكون صَحِيحا وَيجوز تَعْبِيره إِنَّمَا الصَّحِيح مِنْهُ مَا كَانَ من الله تَعَالَى يَأْتِيك بِهِ ملك الرُّؤْيَا وَهُوَ روحائيل من نُسْخَة أم الْكتاب يَعْنِي من اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَمَا سوى ذَلِك أضغاث أَحْلَام لَا تَأْوِيل لَهَا.
(فصل فِي بَيَان معرفَة الرُّؤْيَا ومجاريها وقوتها وضعفها)
وبينت مَا كَانَ مُسْتَقِيمًا وَاضحا وألغيت مَا كَانَ أضغاثًا مختلطًا وتأملت ذَلِك بِتَوْفِيق الله تَعَالَى. (وَاعْلَم) أَن صدق الرُّؤْيَا إِن نمت على جَنْبك الْأَيْمن لقَوْل ابْن سِيرِين: من نَام على جنبه الْأَيْمن فَرَأى رُؤْيا فَهِيَ من الله تَعَالَى وَمن نَام على جنبه الْأَيْسَر أَو على ظَهره وَرَأى رُؤْيا فَإِنَّهَا من قبل الْأَرْوَاح وَرُبمَا يَصح بعض وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي مَنَامه على بَطْنه فَهُوَ أضغاث أَحْلَام وأصدق مَا تكون الرُّؤْيَا فِي الرّبيع والصيف لما تقدم من الحَدِيث الشريف وَقد ذهب بَعضهم بِأَن تَفْسِير ذَلِك على هَذَا الْوَجْه وأضعف مَا تكون فِي الخريف والشتاء وَقد قَالَ ابْن سِيرِين وَغَيره: أقوى مَا تكون الرُّؤْيَا عِنْد إِدْرَاك الثِّمَار واجتماع أمرهَا وأضعف مَا تكون عِنْد سُقُوط وَرقهَا وَذَهَاب ثَمَرهَا وَقيل إِن الله تَعَالَى وكل على كل مدر وَشَجر ملكا لحفظه من الْجِنّ لِئَلَّا يفسدونه فَإِذا انْقَضى أوانها وَارْتَفَعت الْمَلَائِكَة والموكلون بهَا بَعدت النُّفُوس وتغيرت الأمزجة فتظهر الأحلام السوء والاضغاث. فصل وَأقرب مَا تخرج الرُّؤْيَا أَي تظهر الرُّؤْيَا إِذا رئيت آخر اللَّيْل فَإِنَّهُ ينْتَظر بهَا وروى أَن ابْن سِيرِين قَالَ: من رأى رُؤْيا أول اللَّيْل فَإِنَّهُ ينْتَظر بهَا إِلَى عشْرين سنة فمادون ذَلِك وَيُقَاس على اللَّيْل وعَلى السنين وَيعرف مَا مضى من اللَّيْل وَينْقص من السنين بِقَدرِهِ مِثَاله إِذا مضى من اللَّيْل نصفه ينْتَظر الرُّؤْيَا إِلَى عشر سِنِين فَمَا دون ذَلِك وَيُقَاس على ذَلِك وَمن رأى رُؤْيا بعد الصُّبْح فَإِنَّهُ ينْتَظر لَهَا مُدَّة شهر وَمَا دون ذَلِك وَكَذَلِكَ رُؤْيَة النَّهَار وَقد ظَهرت رُؤْيَة يُوسُف ﵇ بعد عشْرين سنة فَلَا حل ذَلِك حد آخر انْتِظَار الرُّؤْيَا عشْرين وَقَالَ الْكرْمَانِي: أصح مَا تكون الرُّؤْيَا عِنْد استغراق النّوم لقَوْل عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: مَا زَالَ الْإِنْسَان يرى الشَّيْء فَيكون وَيرى الشَّيْء فَلَا يكون وَالْجَوَاب عَن ذَلِك فِي قَول عمر بن الْخطاب ﵁. فصل وَقد يبطل تَأْوِيل الرُّؤْيَا إِذا كَانَ الْإِنْسَان قد عمل فِيمَا يرَاهُ فِي مَنَامه وشغل بِهِ فِي الْيَقَظَة سره وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي ﷺ: إِن الرُّؤْيَا ثَلَاثَة فالرؤيا الصَّالِحَة بشرى من الله تَعَالَى والرؤيا من تخويف الشَّيْطَان والرؤيا مِمَّا يحدث بِهِ الرجل نَفسه وَقَالَ بعض المعبرين: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة على قسمَيْنِ: قسم بشرى وَقسم تحذير وَقد تخرج الرُّؤْيَا على مآرب كَثِيرَة وَقد رأى كسْرَى فِي الْمَنَام زَوَال ملكه وَظُهُور مُحَمَّد ﷺ وَكَانَ كَذَلِك وَقد رأى النمرود حِين رمى الْخَلِيل إِبْرَاهِيم ﵇ بمنجنيق أَن الْخَلِيل فِي رَوْضَة خضراء وفيهَا عين جَارِيَة فَكَانَ كَذَلِك وَرَأى فِرْعَوْن أَنه دخل الْبَحْر وَجُنُوده فَغَرقُوا فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَإِن لم تخرج الرُّؤْيَا لصَاحِبهَا خرجت لِبَنِيهِ أَو لنظيره أَو لأحد من عشيرته وَقد رأى النَّبِي ﷺ فِي مَنَامه أَن ابْن أبي الْعيص فِي الْجنَّة بعد مَوته وَكَانَ مُشْركًا فأولها النَّبِي ﷺ عتاب بن أسيد لِأَنَّهُ كَانَ نَظِيره وَإِن عبرت الرُّؤْيَا فِي الْمَنَام فَإِنَّهَا تخرج على نَحْو مَا عبرت بِهِ إِذا كَانَ الْمعبر مِمَّن يركن إِلَيْهِ وسيمته الْخَيْر وَإِن
1 / 604