يقال: حقيقة الظلم هو تجاوز الحد ، فالسيد إذا قال لغلامه اكسر هذا الإناء وعاقبه يكون ظالما لأن فوقه آمرا وهو الله عز وجل أمره أن لا يتجاوز مع عبده الحد فإذا تجاوزه يكون ظالما، ثم يقال لهم: هذا السيد أمر عبده بكسر الإناء فكان عقوبته ظلما له والرب عز وجل لم يأمر بالمعاصي قال الله عز وجل إن الله لا يأمر بالفحشاء (الأعراف: من الآية 28) بل يقول إنه مريد للمعاصي والأمر بخلاف الإرادة ونحن مخاطبون بالأمر لا بالإرادة.
فإن قيل: الأمر والإرادة سواء فما أمر به فقد أراده، وما أراده فقد أمر به.
قيل: هذا ليس بصحيح والدليل عليه إذا قال رجل لغيره إن غلامي هذا لا يطيعني فيما آمره به ولا ينصحني ثم قال لغلامه افعل كيت وكيت فقد أمره بالفعل وهو يريد أن لا يفعل ليبين لذلك الرجل صدق قوله، فدل على أن الأمر بخلاف الإرادة. أمر إبليس بالسجود، وهو لم يرد منه السجود، ولو أراد أن يسجد على رغم أنفه، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده أن يأكل منها، وعندهم أن الله عز وجل، أراد إبليس أن يسجد وإبليس ما أراد أن يسجد يكون على قولهم إبليس وصل إلى مراده والرب عز وجل ما وصل إلى مراده. ثم يقال لهم: هل الرب عز وجل قادر على أن يحيل بين هذا العاصي وبين المعصية أم لا؟ وهل هو عالم بأنه إذا رزقه رزقا يتوصل به إلى المعصية أم لا؟ فإن قيل ليس بقادر ولا عالم فقد عطلوا وأبطلوا ونفوا القدرة والعلم وهو أصل مذهبهم، وينتقل الكلام معهم إلى إثبات الصفات.
وإن قيل: إنه عالم وقادر. قيل لهم: لو لم يكن مريدا للمعصية من العاصي مع كونه عالما بأنه سيعصى وقادر أنه يحيل بينه وبينها لما وجدت، وإذا ثبت بأنه عالم بما يكون من العاصي قبل المعصية وقادر أن يحيل بينه وبينها ثم يتركه على المعصية فلا يوصف بالظلم عند عقوبته، فكذلك أيضا يريد المعصية ثم يعاقب عليها ولا يوصف بالظلم ولو لم يكن مريدا للمعصية مع وجودها لكان عاجزا لأن من يجري في ملكه ما لم يرد لا يكون إلا عاجزا مغلوبا. ولهذا قال بعض أصحابنا: القدرية أرادت أن تعدل الباري فعجزته، والمشبهة أرادت أن تثبت الباري فشبهته. وهذا خلاف النص والإجماع. قال الله تعالى: وما تشاؤن إلا أن يشاء الله (الإنسان: من الآية 30) وأجمعت الأمة على ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقال عز وجل:
إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (الرعد: من الآية 27) ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (إبراهيم: من الآية 27) فأضاف إلى الإضلال إليه.
Página 378