يقال لهم: هذا ليس بصحيح، والدليل على أن أبا بكر كان أعلم الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأشجعهم قوله يوم الردة: ولو منعوني عقالا أو عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولو خلاني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي. فقال عمر رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم» «5». فقال له أبو بكر رضي الله عنه: سمعته يقول إلا بحقها، والزكاة من حقها، والله لا أفرق بين ما جمع الله عز وجل، قال الله عز وجل: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (البقرة: من الآية 43)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قد جهز جيشا ثم مات، والجيش مجهز لم يسر، وارتد الناس ثم مات، فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: الناس قد ارتدوا، وحماة الإسلام في هذا الجيش، ومن الرأي رده من المسير لما قد جهز له، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أشجاع في الجاهلية وخوار في الإسلام، والله لا رددت جيشا جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: لم يبق أحد- أنا ولا غيري- إلا ودخله فشل إلا ما كان من أبي بكر رضي الله عنه. ومن الدليل على أن أبا بكر أشجع من علي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم عليا بموته فقال له: ابن ملجم يقتلك» «1»، فكان علي رضي الله عنه إذا لقى ابن ملجم يقول: متى تخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه، فكان إذا دخل الحرب فلاقى الخصم يعلم أن ذاك الخصم لا يقتله فهو معه كأنه نائم على فراشه وأبو بكر رضي الله عنه كان إذا دخل الحرب ولاقى الخصم لا يدري هل يقتل، فمن يدخل الحرب وهو لا يدري هل يقتل أم لا ويقاسي من الكر والفر والجزع والفزع ما يقاسي، يكون كمن يدخل الحرب وهو نائم كأنه على فراشه؛ فدل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان أشجع.
Página 396