ثم يعتقدون أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضى الله عنهم، وأن المقدم في الخلافة هو المقدم في الفضيلة؛ لاستحالة تقديم المفضول على الفاضل، لأنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل، والدليل عليه أن أبا بكر لما نص على عمر، قام إليه طلحة رضي الله عنه فقال: ما تقول إذا لقيت ربك وقد وليت علينا فظا غليظا؟ فقال له أبو بكر رضي الله عنه كركت لي عينيك، وذللت لي عقبيك وحمتني تلفتني عن رأيي، وتصدني عن ديني، بل أقول له إذا سألني: خلفت عليهم خير أهلك. فدل ذلك أنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح بالنص على أحد، وإنما ثبتت الخلافة بالإجماع لا بالنص. وقد قيل إنها ثبتت بالنص، ولكنه نص خفي يحتاج إلى تأويل وتأمل مثل قوله عليه الصلاة والسلام «مروا أبا بكر فليصل بالناس، لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدمهم غيره اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1»، وكقوله في علي رضي الله عنه: «أنت مني بمنزلة هارون وموسى» «2» «من كنت مولاه فعلى مولاه» «3» والصحيح أنه لم ينص على أحد، والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا في نفسه قويا في أمر الله، وإن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في أمر الله، وإن تولوها عثمان تجدوه هاديا مهديا، وإن تولوها عليا يهدكم إلى الصراط المستقيم» «4» فأخبر أن كل واحد منهم يصلح للإمامة على الانفراد، ولم ينص على أحد لأنه لو نص على أحد لما قال إن تولوها، ولما قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير، فدل على أن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه بالإجماع لا بالنص، والإجماع حجة. قال الله عز وجل: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (النساء: 115).
فإن قيل: علي أولى بالخلافة لأنه أعلم من أبي بكر وأشجع، وكان أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر؛ لأنه كان ابن عمه.
Página 395