فإن قيل: غيرها تكتب ما ذكرتموه فهذا محال ودفع لما نعلمه ضرورة، وإن قيل إن الأحرف التي يكتب بها القرآن هي التي يكتب بها ما ذكرناه. فيجب القول بقدمها وأن يكون لها حرمة كحرمة المصحف وهذا خلاف الإجماع، ولو أن هذه الأحرف قديمة وهي القرآن لكان المصلي إذا أتى بها في الصلاة وقال في الصلاة أب ت ث ج ح خ د ذ لا تبطل صلاته فإن الإتيان بالقرآن في الصلاة في موضعه لا يبطلها، ولكانت تجزئة عن قراءة غيرها، ولكان لها حرمة بحيث لا يجوز للجنب الإتيان بها، فلما لم يصح ذلك دل على أنها مخلوقة، وإذا ترتب بعضها على بعض فهم منها المكتوب بها، فإن كان القرآن صار لها حرمة، وإن كان غير القرآن لم يكن لها حرمة، فالذي يتجدد هو الحرمة لا القدم، فإنه لو جاز أن يصير المحدث قديما لجاز أن يصير القديم محدثا وهذا محال.
ومن الدليل على أن الكتابة غير المكتوب قوله تعالى: النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (الأعراف: من الآية 157) فالنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب على هذه الحقيقة في التوراة والإنجيل غير حال في التوراة والإنجيل، بل هو مدفون في المدينة أو رفع إلى السماء على اختلاف العلماء في ذلك، فلو أن الكتابة هي المكتوب لكان النبي صلى الله عليه وسلم موجودا في التوراة والإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي غيره وهو غيرها، لأن حقيقة الغير لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر والكتابة مفارقة المكتوب منفصلة منه، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد على عمرو وثيقة بدين وشهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها يكون قد استوفى دينه فلما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة يفهم بها المكتوب وليست هي المكتوب فالشهود مكتوبون في الوثيقة على الحقيقة غير حالين فيها، وكذلك الدين، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ يا يحيى خذ الكتاب (مريم: من الآية 12) وأراد به القرآن، ثم قال يا يحيى خذ الكتاب وأراد به إعلام المسيح، أن يفرق بينهما عند السماع، وكذلك في الكتابة أيضا فلما لم يكن ذلك دل على أن الكتابة مخلوقة لا تختلف والمفهوم بها يختلف، ثم يقال لهم إذا قرأ القارئ هل يسمع منه القرآن كما يسمع من الرب عز وجل أم لا؟ فإن ورد الشرع بأن كلام الله تعالى صوت وحرف سميناه بذلك وإلا فلا.
Página 387