Isbah sobre Misbah
الإصباح على المصباح
Géneros
قال الإمام يحيى: وهو مذهب السلف وهو المختار، والذي يدل على أنه يستحق عليه المدح الإجماع، فلا نعلم في ذلك مخالفا وصحة توسطه بين أوصاف المدح، ولأن الله تعالى ما ذكر المؤمن والإيمان في القرآن إلا مدحه، وكل ذلك لا يصح في الفاسق، وقد دل الدليل السمعي على نقل اسم المؤمن إلى من يستحق الثواب، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا}[الأنفال: 2،3] وإنما للحصر، ثم أكد ذلك في أخر الآية بالحصر أيضا بما يقتضيه بلا مرية عند جهابذة الأصوليين، وقال تعالى: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون}[المؤمنون:1،2] الآيات، وقد يقال: أن الوصف في هذه الآيات للتقييد لا للتوضيح، وإن سلم أنه للتوضيح فهو محتمل، والمحتمل لا يصح حجة، وقال تعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}[الحجرات:11] وذلك يدل على التنافي بين الاسمين، وقال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما}[الأحزاب:43]، وقال في حق الزاني والزانية: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله}[النور:2]، وقال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم، إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}[الحجرات:14،15] فإنه لو كان الإيمان هو التصديق لما جعل فيه ما هو عمل قطعا وهو الجهاد في سبيل الله، فلا يكون مؤمنا إلا من كان كذلك، وذلك ظاهر ولله الحمد.
وكذلك قال النبي : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) إلى غير ذلك من الأدلة.
ولهم شبه منها: أنه لو كان الإيمان فعل الطاعات، واجتناب المقبحات لصح وصفه بالزيادة فيه والنقصان، وهو باطل.
والجواب: أنا لانسلم بطلانه بل يصح دخول الزيادة فيه، فمن كانت طاعته أكثر كان إيمانه أكثر، وعلى هذا قال: {فزادتهم إيمانا} وقال: {أيكم زادته هذه إيمانا}.
قالوا: وردت آيات كثيرة تعطف الأعمال الصالحة على الإيمان نحو قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا} ونحوها، وحق العطف المغايرة؟
قلنا: إنا لم ندع أن كل لفظة اشتقت من الإيمان، فإنها لا
تستعمل إلا في المعنى الذي قلناه، وأنه لا يجوز استعمالها في الذي وضعت له في الأصل، فلا مانع من أن تكون هذه اللفظة التي ذكرها الله في هذه الآيات مبقاة على أصل الوضع فلا يقدح في كلامنا، ويكون العطف قرينة المجازية، وغير ذلك من الآيات الواردة بلفظ الإيمان في حق من ليس بمؤمن شرعا، مأول بما ذكر كقوله: {ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}[الصف:2] ونحو: {وإن طائفتان من المؤمنين}[الحجرات:9] (فثبت بذلك) التقرير (أن الفاسق لا يسمى مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا) وبطل ما قاله المخالفون.
(المسألة الخامسة والعشرون) في الشفاعة
ووجه اتصالها بالوعد والوعيد ظاهر، فإنها من تتمة الكلام في إيصال عقاب ذوي الكبائر إليهم وخلودهم في النار، ولا يصح ما تقدم إلا بتصحيح ما ذهب إليه الأصحاب فيها من أنها ليست للفساق ولا لمن يستحق النار، وأنها لا تقتضي عدم دخولهم النار، ولا خروجهم عنها بعد دخولها.
Página 107